البحث عن الحقيقة ليس هو البحث عن اليقين، كما يقول كارل بوبر. وفى مجال المعرفة نحن نبحث عن الحقيقة وليس عن اليقين، ولأن الخطأ الإنسانى وارد، ولأن المعرفة الإنسانية كلها ليست معصومة من الخطأ، فإنها محل شك باستمرار، وهو ما أدى إلى سمة جديدة فى التربية والتعليم فى الألفية الثالثة هى "التسامح"، حيث إن المبادئ والأفكار والنظريات العلمية ليست "مطلقة" وإنما "نسبية"، تقبل التعديل والتطوير والتغيير باستمرار، والانتقادات الأخيرة التى وجهت إلى نظرية "أصل الأنواع" لداروين تثبت ذلك.
وهو ما يتطلب البحث عن "نمط جديد من التربية (والتعليم والتعلم)، كما يقول الفيلسوف والعالم الفرنسى "بسراب نيكولسكو" فى كتابه العلامة "بيان العبر مناهجية"، وهذا النمط الجديد يتأسس على أربعة أركان، هى:
1 - تعلمُّ المعرفة للتمييز بين الواقعى والوهمى
2 - تعلم الفعل، أى تحصيل مهنة قادرة على التواصل مع المهن الأخرى، وبإختصار تعلم "الإبداع".
3 - تعلُّم الحياة السوية، الأمر الذى يعنى الانفتاح والاحترام والتسامح.
4 - تعلم الوجود باكتشاف التناغم والتنافر بين حياتنا الفردية والاجتماعية.
وعلى ذلك، فإن هدف النمط الجديد من التربية ليس هو تجنب صراع الحضارات فحسب، وإنما إجراء تغييرات جذرية فى العقلية والمسلك الاجتماعى، وهى مسؤولية كل فرد تجاه ذاته. ولكن "على البنى الاجتماعية أن تخلق الشروط لكى تستطيع هذه المسؤولية أن تنفتح فيها وتمارس" وبالتالى تظهر حاجة ماسة إلى شكل جديد للنزعة الإنسانية - Humanism يمكن أن "يوفر لكل كائن بشرى القدرة القصوى على التنمية الثقافية والروحية" يطلق عليه "نيكولسكو": "العبر إنسانية" - Tran humanism .
وليس مصافة أن كلمات مثل: "الأمة" Nation و"الطبيعة" Natura و"الجنسية" Nationality، لها جذر لغوى واحد، أو تشترك معا فى هذا الجذر الواحد، مما يؤكد على أن "الاعتراف بكوكب الأرض كوطن رحمى - matricielle للجميع، هو أحد إلزامات العبرمناهجية (فى عصر العولمة). صحيح أن لكل إنسان منا الحق فى جنسيته الخاصة، لكنه فى الوقت نفسه (كائن عبر وطنى)"
ويمكن للعبر وطنى إزالة كافة أشكال التمييز الممثلة فى الأنانية القومية والدينية والطائفية، ومنع الحروب والصراعات والاستغلال والاستعباد، وبإختصار منع "العنف" الذى ينتهك كرامة الإنسان.
وحسب ما جاء فى مقدمة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان لسنة 1948 ، فإن الاعتراف بكرامة جميع أفراد العائلة الإنسانية، وبحقوقهم المتساوية وغير القابلة للمساومة، هو ما يمثل أساس الحرية، والعدالة، والسلم فى العالم. وهو ما يؤكد أن مفهوم الكرامة بالمعنى الحديث، لم يعد مفهوما أخلاقيا وحسب وإنما أصبح مفهوما قانونياّ أيضا، فهو: المبدأ الأساسى الذى يشمل المساواة بين الأفراد جميعا، ويمنع فى الوقت نفسه - جميع أشكال التمييز بينهم، أو المعاملة اللا إنسانية أو المهينة التى تمس كرامتهم.
وفى كتاب الفيلسوف الكندى "توماس دو كونيك"، المعنون بـ"الكرامة الإنسانية"، والحائز على جائزة الأكاديمية الفرنسية عام 1996، تعريف مبتكر وبسيط للكرامة، يقول فيه:
"الكرامة تعنى أن الإنسان فوق كل ثمن". فكل ما له ثمن، كما قال الفيلسوف الألمانى
"إمانويل كانط"، يمكن تغييره بشىء آخر، معادل له فى القيمة، فى حين أن ما يفوق أى ثمن .. له قيمة مطلقة".
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة