• رجل فى الخمسينات من عمره، جلس وحيدا شريدا على مقهى بالدقى، لاحظت أنه يتحدث إلى نفسه ثم يبتسم ويضرب كفا على كف، ظننت فى البداية أنه مختل ضربه السلك كغيره من المصريين المنتشرين فى كل مكان لكننى سرعان ما أدركت أنه عاقل عندما شعر بما يجول بخاطرى، وقال لى أنا لست مجنونا وترك مكانه وانتقل إلى كرسى بجانبى وسألنى عن وظيفتى وما أن سمع أننى صحفى حتى انفرجت أساريره وكأنه وجد ضالته المنشودة. .
• قال إنه عائد من إحدى دول الخليج بعد غربة طويلة واتخذ قرارا بالبقاء فى مصر فلم يعد فى العمر قدر ما مضى والحمد لله على ما ادخر من مال يكفيه ليعيش وأسرته فى مستوى طيب، بدأ الرجل حياته فى وطنه باستدعاء نقاش واتفق معه على طلاء شقته وواجهة العقار من الخارج، ولكن النقاش طلب منه إنهاء تراخيص من حى الدقى حتى يستطيع إنهاء الأعمال دون مشاكل ولم يتردد الرجل وأنهى التصريح وبدأ العمل.
• وفى اليوم الأول فوجئ الرجل بموظف من الحى وقف يتفحص العقار وفى يده أوراق وعندما استفسر منه عن سبب حضوره أخبره أنه حضر لتحرير محضر إشغال طريق ضده لوجود سقالات تعوق المرور، حاول الرجل إقناعه بأن معه التصاريح اللازمة، ولكن دون جدوى، فأشار عليه النقاش بأن يعطيه مبلغا من المال حتى ينصرف وبعد تردد وخوف دينى ودنيوى أخرج من جيبه 30 جنيها وأعطاها له فأخذها دون تردد وانصرف، ولم تمض دقائق حتى جاء موظف آخر من نفس الحى، وكرر ما فعله زميله وأعطاه الرجل نفس المبلغ وانصرف تصحبه لعنات الرجل ودعواته بأن ينفقه على المرض.
• قرر الرجل ألا يجلس أمام العقار وهم فى الانصراف، إلا أن النقاش طلب منه شراء بعض علب الدهان من محل فى شارع التحرير أسرع الرجل لإحضار المطلوب وترك سيارته أمام المحل ودخل ليشترى الدهان، لحظات وخرج حاملا بضاعته ليجد إطارات سيارته مكلبشة وعلى مقربة منها أمين شرطة من المرور اقترب منه وحاول أن يقنعه بأنه ترك السيارة للحظات ولم يتسبب فى إعاقة المرور، ولم يستجب الأمين وطلب الغرامة، خرج عامل من المحل وهمس فى أذن الرجل بكلمات أثارت دهشته، فأخرج من جيبه 20 جنيها وأعطاها للأمين لكنه رفض وطلب 50 لأن الغرامة تتجاوز المائة جنيه فأعطاه ما طلب وفى لحظات أشار إلى جندى فأسرع بفك الكلابش وانصرفا.
• عاد الرجل حاملا علب الدهان وفوجئ بشخص آخر يقف أمام العقار وفى يده أوراق وقلم، ارتفع ضغط الرجل وألقى علب الدهان على الأرض، وراح يستفسر منه عن شخصيته فأخبره أنه من التليفونات وحضر لتحرير محضر ضده لقيامه بالتلاعب فى "بوكس" الأسلاك ونقله من مكانه، اقسم الرجل بأنه لم ينقل شيئا وأعلن استعداده للتوقيع على إقرار بإعادته إلى مكانه والمحافظة عليه وباءت محاولاته بالفشل، فقرر أن يجرب الرشوة دون أن يرشده أحد وأخرج من جيبه 40 جنيها وأعطاها له وكان للنقود مفعول السحر، حيث انصرف الموظف وعاد إدراجه.
• صمت الرجل قليلا ثم قال فى أسى كل هذه الرشاوى خلال 4 ساعات، إيه إللى بيحصل فى البلد ده؟ ولماذا تصمت الصحافة عن هذه الكارثة؟ وكيف أصبح الفساد علنا بهذا الشكل؟ وما الذى أوصل البلد إلى هذا الحال؟ لم أستطع الرد على الرجل سوى بالدفاع عن الصحافة وعدم صمتها ولكنها تؤذن فى مالطة. صمت الرجل قليلا ثم نهض غاضبا وهو يقول "يلعن أبو البلد وإللى عايز يعيش فيها دى الغربة ارحم من العيشه الهباب دى" وتركنى وانصرف دون سلام.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة