مسيرة طويلة تلك التى خاضها التصوير الضوئى، إلى أن احتل هذه المكانة المتميزة بين الأنشطة البشرية، خاصة وأنه كان قد طرح فى البداية كبديل للصورة المرسومة، وأحدث حين ظهوره جدلا واسعا بين المصورين أفضى فى النهاية إلى تأثيرات إيجابية فيما يخص الصورة المرسومة بتحولها إلى إتجاهات ومناحى تشكيلية جديدة مدهشة ما زالت حتى اليوم تتصارع وتتوالد من بعضها بعضا بعد أن أحدث اختراع الكاميرا تحولا عميقا فى المفاهيم الفنية والجمالية، ولطالما عانى المصورون من تلك النظرة الخاطئة لفنهم تحت دعوى أنه فن من درجة أقل من الرسم والفن التشكيلى، كون الرسم يتمتع بحرية الإبداع المطلق فى إظهار اللمسات المباشرة لليد الإنسانية التى تعطيه سحرا خاصا.
غير أن الفوتوغرافيا وللمفارقة كان لها الفضل الأكبر على تطور الفنون البصرية الحديثة بشكل عام والفن التشكيلى على وجه الخصوص، وذلك بما أحدثه ظهورها من تحد كبير للفنانين، الأمر الذى دفع بهم إلى البحث والتجريب المستمر واستحداث مدارس تشكيلية جديدة كالسريالية والتكعيبية والوحشية والدادائية وغيرها، أملا فى الهروب من منافسة التصوير الضوئى الذى أدهش العالم وقت ظهوره وما زال يدهشنا حتى اليوم، فلقد زاد الاهتمام والاعتماد على الصورة الفوتوغرافية وأصبحت أحد أكثر وأهم المؤثرات فى الثقافة البشرية، كما تزايدت على المستوى الفنى مساحة العروض المخصصة للصورة الفوتوغرافية فى كافة أنحاء العالم، وانعكس ذلك الأمر أيضا على الساحة الفنية المصرية، فباتت الصورة الفوتوغرافية حاضرة بقوة فى معظم العروض والمهرجانات الفنية التى تقام فى مصر كل عام، ويأتى صالون النيل للتصوير الضوئى الذى تختتم فعالياته يوم الخميس القادم واحدا من أشهر العروض المخصصة للفوتوغرافيا فى كونه يضم عددا كبيرا من أهم فنانى مصر على مر الأجيال.
ولقد ضم الصالون فى دورته السابعة هذا العام العشرات من الصور لأكثر من مئتين من العارضين، وتأتى إقامته فى قاعتى إيزيس ونهضة مصر بمركز محمود مختار الثقافى كمحاولة من قبل وزارة الثقافة لإعادة الاعتبار لهذا الفن وإبرازه بوصفه أحد الفنون البصرية المتميزة وتسليط الضوء عليه بوصفه وسيلة من وسائل التشكيل التى تتنامى قدرتها شيئا فشيئا، كما تتنامى حاجة البشر إليها، خاصة بعد أن أخذ هذا الفن يتوغل فى مناح جديدة وتشعبت استخداماته ووسائل التأثير التقنى عليه، الأمر الذى غير كثيرا من الشكل التقليدى للصورة الفوتوغرافية والتى كانت تعتمد على التسجيل والتوثيق فقط، قبل أن تتحول إلى مساحة حرة للتشكيل تتصارع عليها الدرجات اللونية، كما تتجاور الظلال والإضاءات حسب قدرة كل مصور على اقتناص اللحظة المناسبة التى تعبر عن ميوله وقناعاته، كما تباينت أيضا المفردات والمضامين التى تحويها الصور الفوتوغرافية، فمن البحث عن الجمال فى الطبيعة إلى اقتناص اللحظات الجميلة والمثيرة وربما المتناقضة، ومن السعى إلى إبراز المشاعر الإنسانية والتعاطى مع نواحى الضعف والتناقض البشرى إلى مجرد البحث عن المعطيات الجمالية غير المألوفة والمهملة كالأسلاك وقطع الخردة والنفايات.
ولقد شهدت الدورة الحالية تطويرا نوعيا فيما يخص المجالات التى يتبناها الصالون، بعد أن تشعبت إلى محورين اثنين هما الصورة الضوئية المباشرة من الكاميرا دون تدخل، أما الآخر فيتمثل فى تلك التى يتم التدخل فيها يدويا أو عن طريق التقنية الحديثة.