وكيف لا يرتبك هذا النائب ومنذ البداية عندما يسمع أن حملته الانتخابية لمجلس الشعب ستتكلف مئات الآلاف من الجنيهات وفى حدود التقشف ولا يرتبك عندما يسمع عن ضراوة تزوير الانتخابات وقوة دور هذا التزوير فى تحديد الفائز وعندما يسمع من ينصحه بضرورة الانضمام للحزب الوطنى كنوع من التقية لتفادى التعسف ضده، وعندما يرى أن أكثر المواطنين تحمساً للتصويت يوم الانتخاب هم سكان العشوائيات لمجرد أن لكل صوت ثمناً يتم الاتفاق عليه مع سمسار الانتخابات لتتحول الانتخابات إلى بيع وشراء بدون تدخل من الأمر، هذا بالإضافة لما يسبق يوم الانتخاب من توزيع العطايا من زيت وسكر وأرز وبطاطين.
يرتبك هذا النائب عندما يرى بنفسه عدم استعداد معظم المهنيين والطبقة المتوسطة لإهدار الوقت فى الذهاب لصندوق الانتخاب، لأنهم فقدوا من زمن أى ثقة فى قيمة أصواتهم ومن يذهب منهم يرهق ويحتار فى العصور على لجنته.. يرتبك أكثر عندما يبدأ مساعدوه فى الاتصال بأرقام تليفونات الناخبين المسجلة فى القرص المدمج المسلم إليه من وزارة الداخلية فيأتى الرد أن صاحب الاسم قد توفى منذ خمسة وعشرين سنة مضت.
كيف لا يرتبك هذا النائب عندما يبتسم له القدر ويفوز بمقعد فى مجلس الشعب فيبدأ فى مقابلة التزاماته نحو أهل دائرته بتأسيس مكتب لخدمة المواطنين لاستقبالهم وتلقى اتصالاتهم وتسجيل طلباتهم ومتابعتها فيفاجأ بتكلفة هذا المكتب ومرتبات موظفيه التى ستخرج من جيبه الخاص. لابد أن يرتبك عندما يجد أن كثيراً من طلبات أهل الدائرة تدور حول طلب المساعدات المادية لظروف قاهرة من ديون أو كوارث صحية أو عائلية وأن تكلفة التواصل مع أهل دائرته فى المناسبات بالمجاملة وطوال العام بالمساعدة لابد أن تخرج من ميزانيته الخاصة فى أغلب الأحوال. أمام هذه الأعباء المادية الثقيلة يرتبك النائب المحترم عندما لا يتعدى ما يصرف له شهرياً الثمانية آلاف جنيه وهو يعرف ويصر أنه لم يرشح نفسه لمجلس الشعب لينتفع بهذا الوضع الأدبى فى الحصول على المزايا ورخص المشروعات والأراضى المميزة للمتاجرة فيها وفى تأشيرات الحج والتوظيف.
كيف يرتبك هذا النائب عندما يعرف أن الممارسة فى مجلس الشعب تضع جميع الشرفاء فى أزمة فأعضاء الحزب الوطنى تكبلهم قيود الالتزام الحزبى وعواقب الغضب الحزبى عند عدم الالتزام، أما الآخرون من غير أعضاء الحزب الوطنى فتسحقهم الأغلبية العاتية لذات الحزب فى كل موقف وكل استجواب.
لماذا لا نواجه قصور حياتنا السياسية بشجاعة وجذرية لتكون لنا فرصة فى النهضة. لماذا لا نعطى الفرصة لهذا النائب المحترم والمئات أمثاله من المصريين المخلصين للمشاركة فى ظل انتخابات نزيهة وبالقائمة النسبية التى تجعل الأحزاب مشاركة فى تحمل الأعباء بدلاً من النظام الفردى ويمنع فيها الأمن ظاهرة شراء الأصوات وتصرف بعد الانتخابات مكافأة شهرية واقعية تحفظ للنائب مكانته وترفعه وتزيد من قدراته على مواجهة التزاماته وهو العفيف الذى لا يبغى التربح.
هكذا يشارك النائب المحترم بفاعلية وبدون أن يرتبك فى بناء مصر النهضة من خلال مجلس شعب مهيأ لذلك.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة