مع اقتراب موعد مغادرة محمد البرادعى لمنصبه كرئيس لوكالة الطاقة الذرية غداً الاثنين، نشرت صحيفة "لوموند" تقريرا عن موقفه من أهم الملفات التى تعامل معها خلال مسيرته على رأس هذه الوكالة، التى تولاها على مدار 12 عاما، تلك الفترة التى انتهت بتحويلها من هيئة تقنية إلى لاعب مؤثر فى عالم متعدد الأقطاب يظل فيه الحق فى امتلاك الطاقة النووية المدنية أمر مثقل بالمخاطر العسكرية.
وقالت الصحيفة إن البرادعى استفاد بكل ثقله كشخصية حائزة على جائزة نوبل للسلام لحل القضية النووية الإيرانية، ولكن الجميع مازال فى انتظار النتائج. وسوف يترك البرادعى منصبه تاركا العديد من الملفات المفتوحة، التى لم يستطع حلها. وقد اتسعت الفجوة بين الدول التى تمتلك الأسلحة النووية والمنشغلة بأمر حظرها، والدول الناشئة التى تشعر بالقلق إزاء رؤية طموحها فى الحصول على التكنولوجيا المتقدمة يتقلص، وذلك فى الوقت الذى تزيد فيه ظاهرة الاحتباس الحرارى من الانجذاب نحو الطاقة النووية.
وفى هذا السياق المتوتر، تم افتتاح اجتماع مجلس محافظى الوكالة يومى 26 و 27 نوفمبر فى فيينا، والذى هيمن عليه الملف الإيرانى. ويشير محمد البرادعى فى آخر تقرير قدمه إلى أوجه القصور الخطيرة من جانب طهران ويعترف بأنه لا يستطيع أن يخلص إلى أن إيران لا تخفى برنامجا عسكريا سريا. وهو الأمر الذى اعتبره الغرب تصحيحا لموقف البرادعى، الذى لم يكن يرى فى بداية نوفمبر أى شىء قد يثير القلق فى موقع "فوردو"، بالقرب من مدينة قم، الذى أخفت إيران وجوده لمدة سبع سنوات.
وتضيف الصحيفة، أن البرادعى كان لايزال يجازف أيضا بإثارة استياء القوى العظمى، عشية اجتماع فيينا، من خلال عدم تشجيعه لفكرة فرض عقوبات جديدة ضد طهران، معتبرا إياها "غير مثمرة". وتذكر الصحيفة بما حدث فى صيف 2007 عندما وافقت الوكالة، بإيعاز من إيران، على "خطة عمل" تهدف إلى "إغلاق" التحقيق فى برنامجها النووى الذى بدأ فى 2002، واعتبرت الصحيفة أن مثل هذه الفكرة تتعارض مع مبادئ حظر الانتشار النووى التى يحرص على صيانتها قسم الضمانات فى الوكالة الدولية للطاقة، والتى تصطدم أحيانا متطلباته مع مطالب الحصول على المساعدة التقنية التى تتقدم بها البلدان الأعضاء، ولا سيما فى حالة سوريا، التى كان يشتبه فى قيامها بأنشطة غير مشروعة بعد أن تم قصف موقع الكبار من قبل الطيران الإسرائيلى فى سبتمبر 2007.
وأضافت الصحيفة الفرنسية، أن الحاجة الملحة إلى الانتظار لتجنب أى تصعيد عسكرى تبدو أنها إحدى ثوابت دبلوماسية محمد البرادعى منذ غزو العراق فى ربيع 2003، فقبل ثلاثة أسابيع من الهجوم الأمريكى، كان البرادعى قد تجرأ بالتنديد بالوثائق "الكاذبة" التى اعتمدت عليها إدارة بوش لاتهام صدام حسين بالرغبة فى إعادة بناء ترسانته النووية، ومن ثم فقد لجأ آنذاك مدير الوكالة إلى الإعلام، وأخذ يظهر فى مقابلات على الهواء مباشرة مثلا "سى .إن .إن" أو يعطى أحاديث مثلا مع هيئة الإذاعة البريطانية، وقد كافأت جائزة نوبل للسلام التى حصل عليها فى 2005، هذه الاستراتيجية، فضلا عن شجاعته أمام مجلس الأمن، ولكنها من ناحية أخرى، كما قال معارضوه، قد أبعدته عن دوره. وهو ما تشير إليه ديبلوماسية غربية تعمل منذ فترة طويلة فى فيينا قائلة: ""إن العالم لا ينتظر من مدير الوكالة الدولية للطاقة أن ينقذه، ولكن أن يقدم له المعلومات حتى تتمكن البلدان من اتخاذ قراراتها".
تضيف الصحيفة أن البعض يلومه بأن البرادعى، من خلال حذره تجاه إيران، قد أثار قلق الإسرائيلين كما أنه لم يطمئن العرب، مما زاد فى نهاية المطاف من مخاطر تفجر الأوضاع فى الشرق الأوسط. كما أن فشل الوكالة فى كوريا الشمالية التى لم يعد لديها الحق فى الدخول إليها لا يزال عالقا فى الأذهان.
ثم تتساءل الصحيفة: هل لجأ البرادعى فى مارس 2006 إلى مساندة الاتفاق المثير للجدل بين الولايات المتحدة والهند من أجل أن يدافع بصورة أفضل عن وجهات نظره فى واشنطن؟ وقد كان هذا الاتفاق من شأنه وضع نهاية للعقوبات بشأن التجارة النووية مع نيودلهى، التى فُرضت بعد أول اختبار لقنبلة ذرية أجرته الهند فى 1974، مقابل أن تضع عدد محدود من المنشآت النووية غير الاستراتيجية تحت مراقبة الوكالة.
وقد كان لهذا التحول فى موقف البرادعى، الذى كان قد ندد بتجارب الهند النووية، عواقب صعبة، إذ كيف يمكنه الصفح عن "خطايا" الهند، التى لم توقع على معاهدة حظر الانتشار النووى، ومن ثم لا يظهر أى مرونة مع إيران التى تعتمد للغاية على الحصول على نفس هذا التساهل؟
يعلق مسئول سابق فى الوكالة على هذا الاتفاق الذى يراه "مثالا صارخا على ازدواجية المعايير" تم تطبيقه وفقا لمصالح واشنطن، قائلا: "لقد كان من الأفضل أن يسكت، إذ أن دعمه هذا قد أضعف من معاهدة حظر الانتشار النووى".
ومع ذلك، يقر الدبلوماسى اليابانى يوكيا أمانو، خبير نزع السلاح، والذى سيخلف محمد البرادعى كمدير للوكالة، بأن "دور رئيس الوكالة الدولية للطاقة سيكون دائما دورا سياسيا"، ومن المؤكد أن هذا هو أقل إرث يمكن التشكيك فيه من عهد محمد البرادعى الطويل فى هذه الوكالة، كما تخلص الصحيفة.
لوموند:البرادعى سيترك الوكالة الدولية و ملفاتها مفتوحة
الأحد، 29 نوفمبر 2009 11:03 ص