محمد عبد الرحمن

أنا ومصر وصحف العرب

السبت، 28 نوفمبر 2009 06:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بداية أعتذر عن كلمة "أنا" التى بدأ بها عنوان المقال، لكننى أردت فقط التأكيد على أنها تجربة شخصية مع صحف عربية جاء الوقت أخيرا لروايتها بعدما تذكر بعض ضيوف برامج التوك شو خلال ساعات الغضب التليفزيونى الطويلة، أن الجزائريين تفوقوا علينا فى الدعاية لأكاذيبهم فى وسائل الإعلام العربية والأجنبية.

حسنا قلب الحقائق مهمة إعلامية يرى أصحابها أنها شريفة طالما ستخدم بلدهم، لكن الحقائق الأصيلة تحتاج لمن يدافع عنها، وفى أزمة أم درمان من يدافع عن مصر ليسوا "معتز الدمرداش" و"تامر أمين" و"منى الشاذلى" ومجموعة "مودرن ودريم والحياة" و"شوبير" الذى تنازل عن التكريم الجزائرى بعد فوات الأوان، فكل هؤلاء يكلمون المصريين الذين يعرفون تماما ما حدث، لكن من يتكلم بأسم مصر فى الصحافة العربية والعالمية الإجابة هى لا أحد.

لماذا؟ لأننا ما زلنا نؤمن بشعار "وديع الصافى" الخالد، "إذا مصر قالت نعم فاسمعوها" هذه الأغنية التى قد لا يتذكرها "الصافى" نفسه، نظن أن هناك من
ما زال يؤمن بها بين العرب، بينما أكدت التجربة المريرة مع الجزائريين أن أجيال العرب بعد حرب 1973 سواء عن تخطيط أو عكس ذلك قررت أن تنزع من مصر وبكل الوسائل مكانتها، فأصبحنا فعلا مثل الشقيقة الكبرى التى تقول لجيرانها أنها ربت أشقائها الصغار على أكمل وجه، لكنها لا تعرف لماذا توقفوا عن زيارتها كل هذه السنوات ولماذا بعضهم مستعد فى أى فرصة لرشق زجاج منزلها بالحجارة.

ندخل الآن إلى التجربة التى بدأت عام 2003 مع موقع إلكترونى عربى شهير مملوك لصحافى سعودى من هؤلاء الذين يعتبرون زيارة مصر مضيعة للوقت، وأن البحرين والمغرب أهم كثيراً من "أم الدنيا"، لن أتكلم عن التمويل ولا السياسات العامة التى ينفذها الموقع فتلك قصة أخرى، لكننى سأتكلم كيف يعامل هؤلاء المصريين ولماذا.

المصريون درجة ثالثة، بعد السعوديين والخليجيين أصحاب الدرجة الأولى، ثم العقول التى تنفذ السياسات، اللبنانيون والعراقيون والمغاربة، بعد ذلك يبدأ البحث عن المصريين، قد يقول البعض إن التعامل السيئ مع المصريين موجود فى كل الدول العربية وكل المهن، لكننا إذا ركزنا مع ما يحدث فى الصحافة تحديدا سنعرف ولو متأخراً لماذا فعلت بنا الصحف الجزائرية ما فعلت، ولماذا صمت معظم العرب وقلة نادرة هى التى التزمت الحياد.

فى هذا الموقع لا يحق للمصرى أن يدخل على "السيستم" ويكون له "باسس وورد" أى المصرى مجرد مرسل مواد فقط، إلا فى حالة واحدة نادرة كانت لزميل مقيم فى دبى، المصرى أيضا لا يحق له الاعتراض على الأجر، لأننا نقبض بالدولار والدولار فى مصر بسبعة جنيهات وبلدكم رخيصة فلماذا تعترضون، عندما تتأخر مستحقاتك لن يعتذر لك أحد، ولن يرد عليك أى مسئول مهم، إذا جذب موضوع لك الانتباه يتم نقله سريعا للصفحة الداخلية، ولا تحلم بأن كل التعليقات التى ستصل من القراء سيتم نشر أكثر من نصفها، ومن يتعاطف معك من الزملاء اللبنانيين وغيرهم لن يستمر معك طويلا، لأن من يتبع قواعد المهنية سيخرج من الحسابات فى أى وقت ويأتى غيره مستعد لمزيد من التنازلات مقابل الاستفادة من المزايا والدولارات.

رغم كل ما سبق كان الموقع "نعمة وفضل" بالمقارنة بالسبوبات المصرية التى لا يعترف أصحابها بأن كرامة الصحفى الوسيلة الأولى لنجاح المطبوعة، وقتها كنت أقاوم تلك المعاملة السيئة التى اكتشفتها مع زملائى بالتدريج بأن أقول لنفسى وهل يوجد موقع مصرى يمكننى العمل به بنفس المرتب ونفس المهنية، أكتب الخبر مساء أجده منشورا صباح اليوم التالى وعليه تعليقات القراء، لقد تأخرنا كثيرا حتى نركب هذا القطار بالفعل، وحتى عندما ركبناه اتجهنا إلى الإسكندرية وأسوان، ولن نريد أن ننظم رحلات للدول العربية.

هل الإساءة للمصريين فى تجربة الموقع سعودى التمويل توقفت عند ما سبق أن ذكرته فى الفقرة السابقة، يا ليت، لأن ما سبق كان إساءة للمحررين فقط، لكن مصر كلها كانت تتعرض للإهانة كل يوم، الأحداث السياسية المهمة لا تأخذ حيزاً من الاهتمام، فى فترة صعود المعارضة وحركة كفاية وأزمات النقابات لا يكتب أحد، كان هناك وما زال مراسل وحيد – سامحه الله – عرف كيف يرضى أصحاب الموقع ويكتب فقط البيانات والتقارير الرسمية، ويطارد أى مراسل مصرى جيد المستوى فى أى قسم حتى الرياضة، ولأننى كنت أراسل قسم الفن أتذكر كيف كانت الفنانات المصريات يجب وضع أخبارهن فى المرتبة الثانية بعد أى فنانة لبنانية، حتى هؤلاء اللاتى كان يخجل منهن الصحفيون اللبنانيون، المهم أنها غير مصرية، أخبار "عادل إمام" مهمة فقط عندما يتكلم فى السياسة، الأفلام المصرية لا يصح أن تستحوذ على مساحة كبيرة فى قسم السينما، "ليلى علوى بلاش لأن صاحب الموقع لا يحبها لا ترسل عنها أخبارا بعد اليوم"، "تم حذف خبر سميرة أحمد لأنها كبيرة فى السن وصاحب الموقع رفض الخبر"، صاحب الموقع يترك شئون السياسة ويعلق فقط على أخبار فنانات مصر، لا يريد أن يراهم على الصفحة الرئيسية لساعات طويلة، ولو كتبنا عن فنانة مصرية مقالا سلبيا أهلا وسهلا وليتم نشر كل التعليقات السيئة، لكن أن تقول أن مسلسل "يحى الفخراني" كان الأفضل فى رمضان ولو على مستوى مصر يخرج لك القراء الذين تربوا على سياسة "نسف مصر" ليذكروك بأن الحكم صدر منذ سنوات بتفوق الدراما السورية، فلماذا تجادل الآن يا مراسل القاهرة، وعندما يخرج للنور فيلم سعودى – مع كافة احترامى لكل الفنون العربية - فإن الكتابة عنه يومها تصبح جهاداً لمراسلى الخليج الذين لا يتورعون عن الهجوم على الدراما السورية أيضا، لكن للأسف أشقاءنا فى الشام لا يعترفون بخطر رؤوس الأموال الموجهة إلا بعد فوات الأوان، فمن شوه سمعة الدراما المصرية وجاء بنور ومهند بديلاً سيفعل ذلك حتما - وقد بدأ بالفعل - مع السوريين لكن بعدما كاد أن يفسد علاقة المصريين بالشوام لولا تدخل العقلاء.


لماذا إذن يهتم أصحاب هذه المواقع من الأساس بوجود أخبار مصرية، لسببين كلاهما نفعى إلى حد كبير، الأول أننا البلد الوحيد الذى يدخل أبناءه على مواقع الإنترنت بالألوف لا بالعشرات، بالتالى يزيد الإقبال على الموقع ويصعد بقوة فى الإحصاءات العالمية التى تفيده فى جذب الإعلانات والتمويل من الجهات المعلنة وغير المعلنة، ولعل تجربة (اليوم السابع) الآن أكبر دليل على ذلك فاليوم السابع حسب موقع "أليكسا" تفوق كثيرا على الموقع الذى أحكى عنه، لأنه جذب جمهورا مصرياً كان يبحث عن أخبار بلده لدى مواقع عرب ما بعد حرب أكتوبر واتفاقية السلام.

أما السبب الثانى فهو أن تصميم أى موقع يتطلب عدد معين من الأخبار كل يوم، ومصر هى البلد الوحيدة التى يمكن أن تكتب عشرين خبرا كل ساعة عن فنانيها، وبما أنه مطلوب ثلاثة أخبار فقط للرئيسية والباقى فى الداخل، فليترك المصريون الأخبار الثلاثة لنا، ولنملأ بهم ما تبق من المساحة، وأذكر أننى عندما تركت هذا الموقع من خلال استقالة مضى عامان ونصف العام على إرسالها دون أن يرد عليها أحد، أذكر أن محررات لبنان كان يكتبن بانفسهن أخبار عن فنانات مصر عندما شحت أخبار اللبنانيات بسبب الظروف السياسية هناك.

هل كل ما سبق كان بدون استثناءات، الحقيقة لا، بالعكس كان هناك متعاطفون من كل الجنسيات، سعوديون وإماراتيون ولبنانيون وعراقيون، يعرفون قيمة مصر، لكنهم صامتون، من يتولى مسئولية قسم يمكنه أن يعدل من الصورة ويهتم قليلا بأخبار مصر ومراسليها ويتوسط لك عندما تتأخر مستحقاتك، لكن من يمول ويتحكم هو فى النهاية صاحب الكلمة العليا، من يتأفف من زيارة مصر لن يعطيها حقها، تماما كما حدث مع جريدة الشروق الجزائرية، كلنا نعلم أن فى الجزائر صحفيين ومثقفين يحبون مصر، لكن من قاد الغوغاء هم أصحاب الصوت العالى والتمويل المتدفق.

الموقع الإلكترونى الذى أتحدث عنه هو نموذج لمنظومة متكاملة من صحف وفضائيات هدفها محاصرة مصر فى كل المجالات، رغم ذلك أعيش تجربة مغايرة تماما مع صحيفة لبنانية تمثل هى الأخرى تياراً فريداً وإن كان محدودا يتعامل بمهنية حقيقية ويدرك قيمة مصر ومكانتها ويهتم بما يجرى فيها، لكننا هنا لا نتواصل مع من يهتمون بنا ونكتفى بالسهر كل يوم أمام برامج التوك شو التى لا يراها إلا نحن.

حتى لا أطيل أكثر من ذلك، لن تعود لمصر قوتها إذا لم نستخدم السلاح نفسه، هل يعقل أن أقرأ فى الطبعة العربية لجريدة الأهرام فى دبى خبرا فى الصفحة الأخيرة عن سهرة تليفزيونية فى القناة السادسة المحلية.. فلماذا إذن تصدر هذه الطبعة إذا كانت تخاطب أهل طنطا، هل كل رجال الأعمال الذين ينفقون على الفضائيات والمسلسلات ومسابقات المفتش كرومبو عاجزين عن تمويل موقع مصرى يكون له مراسلون من جنسيات عربية لا مصريون يذهبون فى رحلة من أجل بدلات السفر قبل العودة لمصر من جديد، كيف نطالب العرب بأن يعرفوا قيمة مصر ويتذكروا الماضى، ونحن لا نعرف من هم الحوثيون، وما هو الفرق بين وليد جنبلاط وسمير جعجع، ومن يحكم فى الجزائر، ومن هو الوريث فى تونس، كيف سنصل لهم وقناة النيل للأخبار هى من تمثل مصر إخباريا، بينما قناة الجزيرة التى نلعنها كل صباح تخصص حصاداً للمغرب العربى كل يوم.

لن تنعم مصر بمكانتها الحقيقية طالما الأبواب مغلقة علينا، والحوائط تضيق كل يوم، لتأتى مباراة كرة قدم تجعلنا أمام الحقيقة المرة، وهى أن هناك عربا مستعدين الآن للهزيمة من أهل الأرض جميعا مقابل إحراز هدف واحد فى مرمى عصام الحضرى.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة