على بريشة

نضحى بالخروف أو بالقطيع.. المهم الدكتور يعيش!!

الجمعة، 27 نوفمبر 2009 06:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل عام وكل الناس بخير.. نقف بين يدى الله سبحانه وتعالى يوم عرفة.. تهفو قلوبنا إلى خالق البشر لنشكو إليه من بعض البشر، ونتضرع إليه أن يرحمهم ويرحمنا، فمن الحماقة أن نكون أنانيين حتى فى طلب الرحمة والمغفرة.. نرجم إبليس بجمرات معدودات وننسى أن نرجم شياطين أنفسنا وهى الأولى بالرجم.
نضحى بالخروف فى أول أيام العيد.. نراه يساق إلى الموت طائعا هادئا.. هكذا خلقه الله وجعله يقبل أن يضحى به وتسيل دماؤه دون أن يستنكر أو يرفض أو حتى يفهم ماذا يحدث له..
يحدث ذلك بشكل تلقائى عندما نضحى بالخروف.. ولكن عندما تكون التضحية بالبشر وبالشعوب فالأمر يختلف.. أو على الأقل المفروض أن الأمر يختلف.
قبل العيد بأسبوع.. تمت التضحية بالقطيعين.. عفوا على التشبيه فوسائل الإعلام والحكومات حولت شعبين عربيين مسلمين شقيقين (وإلا بلاش حكاية شقيقين دى علشان بتجيب أرتكاريا اليومين دول).. حولت الشعبين إلى قطيعين تحكمهما سياسة القطيع.. يشحنهما الإعلام بالأكاذيب.. وتشحنهما الأكاذيب بالغضب.. والغضب بالكراهية والكراهية بالفجور فى الخصومة.. القطيع لا يفكر.. فهو سائر إلى مصيره خلف من يسير فى المقدمة وأمام من يهش بالعصا.. وإذا حاول أحد أفراد القطيع مجرد محاولة أن يقف ليفكر ويسأل نفسه إلى أين نحن سائرون سوف تدوسه الأقدام، فمن أولويات سياسة القطيع أن التفكير ممنوع والوقوف ممنوع والكلام خارج حدود (المأمأة الجماعية) أيضا ممنوع.
أصل الحكاية مباراة كرة قدم بين بلدين يعيشان ظروفا سياسية متشابهة.. فقر وبطالة وتطرف وفساد، وحكام يبحثون عن مولد ينصبونه وينصبون به على الناس ليشغلوهم عن هموم حياتهم.. يختلقون فخرا قوميا زائفا فى أوطان غاب عنها الفخر ولم يعد فيها شىء واحد يسر الحبيب، وإنما فيها أشياء تثير حتى شفقة العدو.
السياسة حركت الإعلام ليشحن الناس.. والإعلام عندما تحركه السياسة يتنازل عن أهم خصائصه.. (الموضوعية).
فى علم الصحافة.. الموضوعية هى روح المهنة وجسدها.. خصوصا عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الخبر الذى هو حقائق مجردة لا يجوز تلوينها أو اختلاقها أو إخفائها.. تستطيع كصحفى أن تتنازل عن الموضوعية كما تشاء عندما يتعلق الأمر بمقالات الرأى.. ولكن فيما يتعلق بالخبر لا يجوز أن تخرج عن الموضوعية، وإلا ضحيت بشرف مهنتك وكرامتها على مذبح الشيطان.
عزيزى القارئ فى الجزائر.. حاول أن تخرج عن القطيع لتعيد قراءة عناوين الصحف الجزائرية بعد موقعة القاهرة فى يومى 15 و16 نوفمبر.. حاول أن تقرأ بعقلك لتعرف كيف سرقوا مشاعرك وشحنوك إلى أقصى درجة بأخبار كاذبة، تتحدث عن قتلى وجثث فى المطار وإجهاض لحوامل وهتك أعراض النساء وتعريتهم فى إستاد القاهرة.. اقرأ العنوان الذى نشرته صحيفة الخبر الجزائرية الذى تقول فيه على لسان صحفية جزائرية: "الشرطة المصرية جردتنى من ملابسى كما ولدتنى أمى فى إستاد القاهرة".. اقرأ العنوان ثم انتقل إلى المتن لتجد أن الخبر أصلا لا يوجد فيه أحد تعرى ولا حاجة، ولكنها مجرد عناوين ساخنة لزوم تسخين الأجواء.. واقرأ صحيفة الشروق الجزائرية التى حملت عنوانها الرئيسى على لسان مطرب جزائرى مغمور يقول، إنه كان شاهدا على مصرع جزائرى فى فندق بالقاهرة بعد علقة ساخنة، وإنه بعد أن لقنه الشهادتين فاضت روحه إلى بارئها فى مشهد مأساوى مصطنع وقام بتغطيته جثمانه بعلم الجزائر.. أعيدوا قراءة هذه العناوين لتعرفوا كم كذبت الصحافة الجزائرية وافتعلت ولفقت وشتمت وتدنت، فكلنا نعرف الآن أنه لم يسقط قتيل جزائرى واحد فى القاهرة.. وكلنا نعرف الآن أن الصحافة الجزائرية ضحت بالموضوعية وهى تقدم تغطية صحفية مسفة وبذيئة.. أى صحافة محترمة كان عليها أن تقدم الخبر كما هو وكما قدمته المصادر الرسمية المصرية والسفارة الجزائرية بالقاهرة، كما تأكد بعد ذلك: (إصابة 20 مشجعا جزائريا و12 مشجعا مصريا فى اشتباكات بعد مباراة القاهرة)، خبر ممكن أن ينزل على عمود فى تغطية مباراة لكرة القدم.. وممكن أن ينشر على نصف صفحة لو كانت الجريدة تريد تسخين الأجواء.. ولكن أن تتحول التغطية كلها إلى هذا الخبر الوحيد بعد أن يتم نفخ عدد المصابين ليصبحوا بالآلاف، ويتم اختلاق 12 أو 16 قتيلا وعشرين امرأة تم إجهاضها (من هى أصلا المرأة الحامل التى تذهب للإستاد لحضور مباراة فى كرة القدم ) غير طبعا النساء اللاتى تم هتك أعراضهن وتعريتهن حتى تكتمل الحبكة الدرامية الهايفة التى تكفى لشحن القطيع.
عزيزى القارئ فى مصر.. حاول أن تخرج عن القطيع لتعيد قراءة عناوين الصحف المصرية وبرامج الفضائيات بعد موقعة الخرطوم فى يومى 18 و19 نوفمبر.. القصة الإعلامية التى شحنوا الشعب المصرى بها وجعلوا الناس تسهر حتى الصباح، وهى تبحث عن أدوية الضغط والسكر وتتحسس كرامتها المتورمة، وتخرج بعد ذلك وهى مشحونة بالغضب والانفعال بحثا عن الثأر من الجزائر كل الجزائر ولا شىء غير الجزائر.. الخبر الحقيقى الذى يجسد ما حدث فى الخرطوم هو ما أعلنته المصادر المصرية الرسمية بعد ذلك "إصابة 21 مشجعا مصريا بجراح فى مواجهات مع الجمهور الجزائرى بالخرطوم" خبر ممكن ينزل على عمود فى تغطية أحداث أى مباراة .. وممكن لو أرادت الصحيفة تسخين الحدث تفرد له نصف صفحة، ولكن أن يدخل الإعلام بكل قنواته ووسائله فى وصلة من النواح الجماعى والشحن العشوائى، ويحول الشعب إلى قطيع منساق خلف مشاعر الغضب والكراهية، فهذا أمر يخرج عن أبسط معايير المهنية الصحفية.
هذه هى القيمة الموضوعية الصحفية الحقيقية للخبرين.. ما جرى فى القاهرة وما جرى فى الخرطوم.. أما لماذا تعامل الإعلام فى مصر والجزائر مع الخبرين بهذه الطريقة المسيئة والمبتذلة وتورط فى فواصل الردح والمزايدة والتشويه.. فهذا أمر يسأل عنه أهل السياسة فى البلدين الذين تاجروا بمعانى الوطنية وورطوا الشعوب وشحنوهم، وخرجوا من الحكاية كلها مثل الشعرة فى العجين ولسان حالهم يتخذ نبرة الممرض الخارج من غرفة العمليات قائلا : "اضطررنا للتضحية بالأم والجنين والإعلام والقطيع كله.. المهم الدكتور يعيش".





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة