عصافير النيل.. عن المصرى الذى يحلم بالتحليق دون أن يستطيع الطيران.. لأنه «مكسور الجناح»

الجمعة، 27 نوفمبر 2009 08:05 م
عصافير النيل.. عن المصرى الذى يحلم بالتحليق دون أن يستطيع الطيران.. لأنه «مكسور الجناح» إبراهيم أصلان
علا الشافعى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
>> شخصيات تضج بالحياة صاغها مجدى أحمد على بحرفية محافظا على شاعرية حوار أصلان

من حق العصافير أن تحلم بالطيران، لكن حين تنكسر أجنحتها وتعجز عن التحليق تظل أسيرة الواقع، محبوسة فى القاع، بعيدة عن عالمها، يسخر منها الأطفال أو يقيدونها ويجرونها.. هؤلاء هم عصافير النيل أو الطبقة المطحونة من المصريين، التى باتت تعيش واقعا أشبه بواقع العصافير.

هذا ما يقدمه فيلم «عصافير النيل» سيناريو وإخراج مجدى أحمد على، الذى فاز عنه الفنان فتحى عبدالوهاب بجائزة أفضل ممثل مناصفة مع الممثل الهندى سوبرات دوتا بمهرجان القاهرة السينمائى الدولى.

«عصافير النيل» مأخوذ عن رواية الأديب إبراهيم أصلان التى تتناول فترة زمنية طويلة تمتد لأكثر من 70 عاماً، يرصد فيها تاريخ الطبقة المتوسطة وانهياراتها المتتالية، واختار مجدى تحدياً صعباً فى أن يحول الرواية التى كتبها إبراهيم أصلان شديدة التركيب والتداخل فى السرد إلى فيلم سينمائى، أرهقه كثيراً فى بنائه وعمل على السيناريو له سنوات طويلة.

الفيلم يحمل حالة إنسانية شديدة التميز والخصوصية، ويرصد واقعا عبثيا لحياة مليئة بالاغتراب، ورغم ذلك مفعمة بحب الحياة، وتتنوع طرق السرد الروائى فى الفيلم ما بين الفلاش باك والانتقال من الماضى إلى الحاضر والعكس، إضافة إلى وجود الراوى، الذى لم يكتف مجدى باعتباره معلقاً على الأحداث بل جعله جزءاً أصيلاً من شخصيات الفيلم.

تلك الحالة الإنسانية وضعها رمسيس مرزوق، مدير التصوير، فى صورة بصرية شديدة الثراء، واختار ألواناً داكنة تعكس الوضع المأساوى الذى تعيشه شخوص الفيلم، كما ساهم مونتاج المخضرم أحمد داود فى الانتقال بسلاسة شديدة بين الأزمنة، وامتلك الفيلم إيقاعا خاصا يبعث على التأمل أكثر منه على الفرجة، حيث تدور أحداث الفيلم فى منطقة إمبابة حول عائلة تعيش فى الثمانينيات من القرن الماضى، ويجسد فتحى عبدالوهاب شخصية «عبدالرحيم» شاب يأتى للعيش مع شقيقته دلال عبدالعزيز «نرجس» وزوجها محمود الجندى «البهى» لحصوله على وظيفة ساعى بريد فى القاهرة.

يبدأ الفيلم بمشهد فى المستشفى يوضح لقاء فتحى عبدالوهاب بـ عبير صبرى حبيبته القديمة وجارة شقيقته فى السكن بعد سنوات كثيرة من الفراق، ويتذكران معاً بداية تعرفهما من خلال مشهد يشير إلى عبثية الواقع يظهر فيه فتحى عبدالوهاب يصطاد السمك من النيل حيث تصطاد سنارته عصفورا، ويجرى إلى قسم شرطة إمبابة ليحكى لهم الموقف فيتم اعتقاله ويشك ضباط الشرطة فى سلامة قواه العقلية.

ويحمل المشهد عبثية وحالة تمرد ومحاولات الخروج للحرية، حيث قدم فتحى شخصية «عبدالرحيم» المتسقة مع نفسها والتى لا تملك سوى تفريغ طاقتها الجنسية.
تماما كما يعيش حياة مبتورة، فعلاقاته مبتورة ودائما تنتهى بالاغتصاب مثل علاقته بعشيقته «بثينة» والتى طلبها للزواج ولكنها رفضته لأنها شعرت فى لحظة أنه «يستعر» منها ويصدق ما يقوله الناس عنها إنها مطلقة سيئة السمعة.

وعلاقته بـ «منى حسين» الأرملة التى ارتبط بها جسدياً لكنها عندما وجدت نفسها مهددة بقطع معاش أولادها فضلت ترك «عبدالرحيم» وطلبت الطلاق منه، ومن أصعب المشاهد التى جسدها فتحى وقدمها بحرفية عالية هو مشهد اغتصابه لـ «منى» بعد الطلاق.

وتميز العمل بشاعرية الحوار الذى صاغه إبراهيم أصلان والذى للأسف كان يحتاج قدرا كبيرا من التركيز، ولكن دار العرض وعيوب الصوت بها أثرا سلبا على روعة الجمل الحوارية المعبرة عن هذا الواقع العبثى والمأساوى للمصريين الغلابة الذين يدفعون أخطاء الحكومة وممارستها ولا يتبقى لهم سوى الإصابة بالأمراض السرطانية ومحاولات التكيف مع الفقر، مثلما كانت تفعل «نرجس» القانعة بقليلها، وهو ما صاغه أصلان فى روايته، وأعاد صياغته مجدى على الشاشة، حيث رأينا أن شخصية «عبدالرحيم» المقبل على الحياة رغم مرارة الواقع تقابلها شخصية ابن شقيقته «عبدالله» التى يجسدها أحمد مجدى، فهو يتمرد على واقعه وينضم إلى حركة يسارية ويتم اعتقاله، لكنه يستمر فى طريقه، فى إشارة إلى أن نفس العائلة التى أنجبت كل هذا الإقبال على الحياة هى نفسها التى تستطيع قيادة المستقبل، حيث يظهر فى المشهد الأخير «عبدالله» وهو يجرى فى شوارع القاهرة ومن خلفه شاشات ترصد المظاهرات التى تحدث فى القاهرة.

وتميزت جميع عناصر التمثيل التى أدارها مجدى بحرفية عالية ومنها «بسيمة الموضة» التى جسدتها عبير صبرى، ومن أهم مشاهدها فى المستشفى عندما يصادفها عبدالرحيم ويسقط الإيشارب من فوق رأسها ويتضح أنها تخضع للعلاج الكيماوى الذى أخذ منها أجمل ما فيها «شعرها».

ومحمود الجندى فى شخصية «البهى» التى تحاكى الفلاح الفصيح فى جزء منه، حيث لم يتوقف عن كتابة الشكاوى لإحساسه بالظلم، ودلال عبدالعزيز التى قدمت شخصية مرت بمراحل زمنية مختلفة، حتى ظهور عزت أبوعوف كضيف شرف كان مميزا وشديد السخرية، وتميز أيضا الموسيقى والتصوير والماكياج.

لمعلوماتك...
>> 7 أسابيع المدة التى استغرقها تصوير فيلم «عصافير النيل»، و 6 ملايين جنيه ميزانيته





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة