«معلش.. أرجوكم سامحونى مش قادر أتكلم»، كلمات قالها شوقى غريب مدرب منتخبنا الوطنى.. وأصر عليها، عندما حاولنا أن نخرجه عن صمته، ونفتح معه خطا للنقاش حول ما حدث فى السودان.
غريب رفض مجرد إجراء حوار صحفى.. أو حتى الإدلاء بتصريحات، كما هى العادة - صحفيا - للاستفادة بما سيقوله، وإطلاع الرأى العام على حقيقة الأمور.
مدرب المنتخب الوطنى علل رفضه الكلام مع الصحافة، بأنه «مش قادر» بحسب تعبيره يتكلم عن مبارة السودان، بمعنى أنه يشعر بغصة أو بالمعنى الدارج «مالوش نفس» يتكلم.. حتى صوته يشعرك بكم الإحباط المسيطر على صاحبه.
تسأله لماذا طار حلم المونديال.. يسكت برهة ثم يعود من سكوته أو شروده ليرد قائلا: أنتم شفتم كل حاجة بعنيكم، وكنت هناك.. رافضا أن يكرر وصف «حالة الإرهاب» التى لعب الفريق المباراة وهى تسيطر على المكان والزمان، للدرجة التى وصلت لأن يقول لاعبو الجزائر لنجومنا عماد متعب وعمرو زكى وبعدهما محمد زيدان.. «اللى هايجيب جول هاتدبحه جماهيرنا» ناهيكم عن خروج الفريق من غرفة الملابس تحت المقصورة باستاد المريخ متأخرا، بسبب خطورة الممر المؤدى للملعب والذى يمكن جماهير الجزائر من الوصول للاعبى مصر لقربه من ممر الخروج، ومشاهدة اللاعبين لأسلحة بيضاء فى أيدى الجماهير وهم يؤدون تدريبات الإحماء.
غريب يرفض أيضا الاعتراف بأن خطورة الموقف أو شدة الخطر المحيطة باللاعبين والجهاز لم تكن وحدها سببا «لنشل» حلم المونديال، لأنه يرى أن توفيقا بنسبة 5 % لو أصاب إحدى الكرات التى اقتربت كثيرا من المرمى الجزائرى وما أكثرها، كانت كفيلة بأن تحقق الهدف وتجعل أحلام المنتخب والجماهير المصرية سعيدة.
مدرب المنتخب الرافض لما فعله من يدعون أنهم أشقاء وصف ما حدث للفريق فى مباراة الذهاب بالجزائر أنه أم المهازل، وكان الحلقة الأولى فى مؤامرة أحيكت بعناية، مؤكدا أن بعض أفراد الفريق والجهاز الفنى أصيبوا بتسمم يرى أنه كان مقصودا، مؤكدا إحساسه الأول بتواصل حلقات المؤامرة فى مباراتى العودة والفاصلة.
أيضا يوضح شوقى غريب أهم أسباب سر تعاسته، و«صدة النفس» التى يعانيها أن مصر، مسئولى دولة ومسئولى كرة، تعاملوا مع الأحداث فى الجزائر على أنها فى بلد شقيق لا يجب فضح أفعال صغار فيه.. لأنه كان يعتقد أن كبارا سيتدخلون ويقولون كلمتهم ويحفظون جميل الأشقاء المصريين، وعدم رضاهم بضربة قاسية تساوى فعلتهم الشنعاء، لكنه أدرك بعد فوات الأوان أنه كان يحرث فى الماء، فلا الأشقاء أو من يدعون الأخوة ثمنوا ما فعله المصريون وقدروها، ولا حتى راعوا حقوق القربة والأواصر العربية.
أما ما أصابه بحالة من «القرف» والضيق فهو السؤال الذى وجهه له أحد اللاعبين الجزائريين حول قراءته وزملائه فى التوراة طوال المباراة؟!
لدرجة أنه يصف وقع السؤال عليه بقوله: صحيح التوراة هى كتاب سماوى، لكن كيف يحشون عقل الشباب، إننا كمسلمين كتابنا القرآن، تكون مرجعيتنا هى كتاب الديانة اليهودية!.. وقتها أيقن -كما يصف- أنه وفريقه وبلاده دخلوا فى كمين أطبق عليهم من كل الجوانب.
مدرب منتخبنا الوطنى يخرج هذه الكلمات عبر الهاتف، لكن تشعر وأنت تستقبلها بحشرجة غريبة، هى ليست بالفعل حشرجة الدموع فى العيون، لكنها حشرجة تنم عن ألم طعنة غدر بيد شقيق.. أو هكذا كان يدعى!
قبل أن يصر أن هذه هى كلماته الأخيرة، حتى لا يتراجع عن قراره بعدم البوح بما فى صدره، وعندما بادرناه باستفسار حول شعوره قبل انطلاق المباراة وخلالها وبعدها.. لم يرد فورا وكأنه يبحث عن معان، ثم قال: توقف عندى «فص» الشعور، لأننى قرأت المخطط.. فالأحوال التى عشناها عندما وصلنا للملعب، تؤكد أن سلاح الغدر جاهز فى أيدٍ خسيسة مستعدة لقتل شباب مصر وجهازهم فى الملعب.. إن أدركهم التوفيق، ولعل هذا ما كان كل الجهاز يخفونه عن اللاعبين، ثم يصف غياب التوفيق بأنه تآمر لصالح نجاة المصريين فريقا وجهازا.. لكن الذى يراه غريبا، هو كم الكره والحقد اللذين ظهرا عقب فوز من لا يستحق.. واستأذن فى إنهاء المكالمة مكررا كلماته «سامحونى يا جماعة مش قادر فعلا أتكلم».
