سعد رجب صادق يكتب.. وماذا بعد الهزيمة ؟!

الجمعة، 27 نوفمبر 2009 01:54 م
 سعد رجب صادق يكتب.. وماذا بعد الهزيمة ؟!

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
خرجت مصر من التصفيات المؤهلة لكأس العالم فى كرة القدم، بعد هزيمتها من الجزائر فى المباراة الفاصلة بالسودان، وبدل أن نبحث عن الأسباب والعوامل التى أدت إلى خسارة الفريق المصرى، وضياع أمل طالما انتظرناه، انطلق الإعلام فى مشهد عبثى يؤجج نيران الفتنة بين البلدين، ويستثير غرائز الناس ومشاعرهم.

والعجيب فى الأمر أننا نكرر دائما الخطأ الجوهرى الذى نقع فيه باستمرار، ألا وهو إلقاء أسباب هزائمنا، ومبررات تخلفنا ومشاكلنا، على غيرنا وكأننا معصومون من الأخطاء، ومنزهون عما يرتكب فى حق بلدنا من إفساد وإهمال، أدى إلى ما نحن فيه من تدهور وانحدار، وتراجع وتخلف فى كل مجالات الحياة.

والمتأمل فى الشأن الرياضى المصرى، لا يجده مختلفا عن شئوننا الأخرى، وذلك لبديهية بسيطة، وهى أن التقدم والتحضر، والنهضة والتطور، عملية شاملة، ومن الوهم الظن أننا يمكن أن ننال مكانا عالميا فى دنيا الرياضة، ونحن متردون إلى الحضيض فى كل المجالات الأخرى، ولذلك فإن عمليات الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى والتعليمى والرياضى كلها متشابكة ومتداخلة، وكل منها يؤثر ويتأثر بالآخر، وكل منها يدفع بنفسه وبالآخر إلى الأمام، وإذا نظرنا إلى الدول التى تأتى على رأس قائمة الميداليات فى الدورات الأوليمبية ، أو الدول التى تحصل على بطولة العالم فى الألعاب المختلفة، نجدها دائما الدول صاحبة النهضة والحضارة، والتى عرفت ديناميكية التغيير والإصلاح، واتخذت الخطوات الصحيحة للارتقاء بمجتمعاتها فى كل المجالات، وتخلت عن سياسة التماس الأعذار والمبررات.

غير أن الأهم من السرد والتنظير الذى أصبح سمة الصحافة والإعلام فى مصر، أن نبحث عن المشكلة، ونضع اليد عليها، ونحدد أسبابها، بدون مبالغة أو تهويل، وأيضا بدون تقليل من حجمها، أو تهوين من أضرارها، ثم نبحث لها عن العلاج الذى يقضى عليها، ويضمن عدم ظهورها، ويضمن فى نفس الوقت استمرارية عملية التحسين والتطوير، حتى نكون قادرين على مواكبة التغيرات السريعة فى عالمنا اليوم، وبرؤية أشمل للرياضة المصرية، تضم إلى كرة القدم غيرها من الرياضات، نجد أن مشاكلنا وحلولها تكمن فى الآتى:
1- الرياضة حاجة فطرية للإنسان، وهى ألزم فى مراحل العمر المبكرة، ومن سوء التدبير والتخطيط أن نهملها فى مدارسنا وجامعاتنا، ولذلك فإنه من الواجب علينا أن نهتم بها فى جميع مراحل الدراسة، وأن نخصص لها الاعتمادات والإمكانيات، ونشجع التلاميذ والطلاب على المشاركة فيما يوافق رغباتهم وأهواءهم، وأن نوفر لهم الوقت والتدريب، ويمكن توفير النفقات، وتسهيل ذلك، بأن يكون لكل مجموعة من المدارس، أو لمدارس كل مركز، أو كليات كل جامعة مجمع يحتوى على الملاعب، وغيرها من الأدوات واللوازم ، والمدربين والمتخصصين، وعلاوة على التربية البدنية، واستغلال طاقات الطلاب فى هوايات مفيدة ، فان هؤلاء سيكونون المدد المستقبلى لفرقنا الرياضية فى المسابقات الإقليمية والدولية، ومما يجدر ذكره أن دول الغرب والولايات المتحدة والصين وغيرها من البلاد المتقدمة رياضيا تنفق بسخاء ، وتولى اهتماما شديدا للرياضة فى مدارسهم وجامعاتهم ، ولذلك يمتلكون خيرة اللاعبين فى كافة الرياضات.

2- التدريب الجيد هو أهم الوسائل الضامنة لوجود لاعبين على درجة عالية من الحرفية والمهارة، وقد أصبح أعداد اللاعبين وتدريبهم الآن علما له قواعد وأصول وتستخدم فيه التقنيات الحديثة، لإيصال اللاعب إلى درجة الأداء الأمثل، وتقليل فرص الإصابة، وتحسين القوة والتحمل، والتوازن والتركيز، وزيادة سرعة الأداء وهناك فى بريطانيا على سبيل المثال مشروع بدأ تطبيقه فى أكتوبر من هذا العام ويطلق عليه ESPRIT ، أو The Elite Sport Performance Research in Training with Pervasive Sensing ، ويتكلف 8.5 مليون جنيه استرلينى، ويساهم فى بحوث هذا المشروع باحثون من ثلاث جامعات، ويستخدم المشروع أجهزة حول الملعب، وأخرى يحملها اللاعب ، لقياس التغيرات البيوكيماوية والفسيولوجية، وحركات العضلات، ومعلات القلب، وسرعة المفاصل وغيرها، وتستخدم تلك المعلومات لتحسين مستوى التدريب ، ومستوى الأداء فى المنافسات ، يقول Dr. Scott Drawer رئيس فريق الباحثين فى هذا المشروع : ان الميداليات تكسب أو تخسر بفروق ضئيلة جدا within the tiniest margins ولذلك من المهم إعداد اللاعبين على المستوى الأمثل.

3- إذا كان التدريب الآن علما، وهناك الآن ما يسمى sports research and innovation له علماؤه المتخصصون sports scientists ، فان هناك علما آخر يساهم فى اعداد اللاعبين وهو sports psychology أو علم النفس الرياضى ، حيث وجد العلماء علاقة بين تحسين أداء اللاعب ، وأداء الفريق ، ونفسية اللاعب ، حيث أن لكل لاعب درجة مثالية optimal من التواصل والأداء يمكن الوصول اليها عن طريق معرفة أنماط التعلم المفضلة لشخصيته preferred learning and personality styles
4- لا يكتمل إعداد اللاعب والفريق بدون جهاز ادارى ناجح ، يستخدم الطرائق الحديثة فى الادارة ، وهناك الآن نظام يطلق عليه TMS أوTeam Management System ، وهو نظام طور فى استراليا ، ويستخدم فى 119 دولة ، ويتضمن طرقا لحل المشاكل ، وحث الأفراد على الوصول لأعلى درجات الأداء فرديا ، وكفريق ، والمحافظة على التنافسية فى الأداء ، وغيرها من وسائل الإدارة اللازمة لنجاح اللاعب والفريق .

5- الصرامة فى وضع الضوابط واللوائح وتطبيقها، وبدون ذلك يصبح اللاعبون مجموعة من المدللين الذين لا يقيمون وزنا لفريقهم، ولا يضربون مثلا طيبا للشباب وصغار السن الذين ينظرون إليهم بإعجاب واقتداء ، وهناك الكثير من الأمثلة التى يمكن الاستشهاد بها من الرياضات الأمريكية ، حيث تفرض غرامات كبيرة ، وايقاف للاعب بدون مرتب ، وذلك فى حالة الجدال مع حكم المباراة ، أو استخدام الاشارات أو الألفاظ البذيئة تجاه الحكم أو المدرب أو الجمهور ، أو الاعتداء على أحد من الجمهور ، أو التخلف عن التدريب بدون عذر ، أو التأخر عن ميعاد أوتوبيس الفريق ، أو عدم الالتزام بمواصفات الزى ، ولا تتوقف الغرامات عند اللاعب ، بل قد تطال الفريق ، أو مالك الفريق ، أو المدرب ، ومن الأمثلة الجديرة بالذكر ايقاف اللاعبRon Artest ، وهو لاعب كرة سلة أمريكى لمدة موسم كامل لاعتدائه باللكم على أحد المتفرجين ، مما أدى الى خسارته لخمسة ملايين دولار ، هى كل مرتبه فى موسم 2004 ، ويغرم فريق Dalls Maverichs لكرة السلة اللاعب الذى يتأخر عن موعد الأتوبيس 1000 $ ، والذى يتخلف عن التدريب 2500 $ ، وغرم اتحاد كرة السلة الأمريكى NBA مبلغ 10,000 $ لثلاثة عشر لاعبا ارتدوا شورتا أطول مما تحدده اللوائح ب 0.1 بوصة ، وغرم أنديتهم أيضا 50,000 $ لكل نادى ، وتصل تلك الغرامات ملايين الدولارات سنويا ، حيث تعطى للجمعيات الخيرية.

6- المتأمل فى كل ذلك يجد أننا نفتقد لكل المقومات الضرورية للنجاح رياضيا ، ومن الوهم أن نظن غير ذلك ، وما الهزل المسمى الدورى والكأس ، أو البطولات الأفريقية التى نحصل عليها ، إلا أقل من المستويات العالمية بكثير ، كما أن لاعبينا الذين جعلنا منه نجوما ومشاهير ، وأغدقنا عليهم الأموال والهدايا ، الا مجموعة من الذين لا يقدرون المسئولية ، والواجب الملقى على عواتقهم كممثلين لوطنهم ، بعد أن أفسدتهم الشهرة والمال ، كما أن الأجهزة الإدارية التى تفتقر إلى الحكمة والأمانة ، لعبت وما زالت دورا كبيرا فى تخريب الرياضة ، والانحدار بمستواها فى مصر ، بالتركيز على اللعبات الجماعية رغم صعوبة المنافسة فيها عالميا ، وتجاهل اللعبات الفردية والتى من الممكن أن نصل فيها لمستويات أفضل وتنافسية أعلى، وبالرجوع إلى إحصائيات اللجنة الأوليمبية الدولية International Olympic Committee كمثال لسوء الإدارة والتخطيط الذى اعترى مجال الرياضة فى مصر ، ومقارنة إنجازاتنا منذ أول مشاركة فى عام 1912 ، وانجازات بعض دول المنطقة ، نجد أن دولة كتركيا والتى شاركت لأول مرة أيضا فى عام 1912 ، حصدت حتى دورة بكين 37 ميدالية ذهبية ، 24 فضية ، 21 برونزية ، بينما حصلت مصر وأيضا حتى دورة بكين على 7 ذهبية ، 6 فضية ، 9 برونزية ، بينما حصدت أثيوبيا والتى اشتركت لأول مرة عام 1956 على 18 ذهبية ، 6 فضية ، 14 برونزية ، وفى دورة بكين كان الوفد المصرى 118 لاعبا ، مشاركين فى 19 رياضة ، والمحصلة ميدالية واحدة ، بينما أرسلت تركيا 68 لاعبا ، فى 12 رياضة ، بمحصلة 8 ميداليات ، وأثيوبيا 36 لاعبا ، فى رياضة واحدة ، بمحصلة 7 ميداليات ، فى حين أرسلت أرمينيا 25 لاعبا ، فى 7 رياضات ، بمحصلة 6 ميداليات .

إننا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما اتباع المعايير الدولية فى إعداد اللاعبين والفرق والتدريب والإدارة على أسس علمية ، ولوائح وقوانين صارمة ، أو هزليات الدورى ، وملهاة الكأس ، ثم تنقضى سنوات حتى الدورة الأوليمبية القادمة ، أو تصفيات كأس العالم ، وبعدها نعود إلى البكاء والنحيب ، والبحث عن المعاذير والمبررات ، للفرص التى يتوالى أضاعتها ، ليطويها التاريخ الذى لم نتعلم منه شيئا .







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة