انتهت المباراة الفاصلة بين مصر والجزائر، لكن لم تنتهِ آثارها السلبية فى نفوس وعقول أبناء البلدين، ولم يعد الأمر مجرد «ماتش كورة» بل تحول إلى تشويه للتاريخ، والحاضر سيقضى بالتأكيد على المستقبل الذى نأمله لبلادنا ومنطقتنا العربية، ما السبيل نحو تفادى هذا الخطر؟.. تحدثنا إلى أكاديميين، ونشطاء، وإعلاميين، وأدباء فتنوعت اقتراحاتهم وتعددت آراؤهم لكنها تركزت جميعها حول أن ما يحدث الآن على الجانبين يجب أن ينتهى دون أن يترك فى النفوس جروحا يسهل فتحها مع أى مناسبة أخرى قريبة.
يرى الدكتور جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، وعضو الحزب الوطنى أن ما خلفته الأحداث الأخيرة بين مصر والجزائر لن ينسى، وبالتالى لا ينبغى أن نغلق الجرح دون تنظيفه جيدا، وتحمل المسئولية هو المدخل لذلك، فالمسئولية الأكبر فيما حدث تقع على السلطات الجزائرية التى يجب أن تعترف بها قضائيا وأمنيا، وألا تتوقف عند التحريض المضاد والهيجان الشعبى، لأن الأمور لن ينهيها ترديد عبارات الإخوة العربية، كما ينبغى أن يتم التفكير جديًا فى هيئة ناظمة للإعلاميين الرياضيين، بحيث يكونون مسئولين أمامها عند ارتكاب أى مخالفات، كما ينبغى أن تنظر الخارجية فى أمر تفعيل قانون هيئة رعاية المصريين بالخارج، حتى يتمكن هؤلاء من التوجه لها عندما يتعرضون لانتهاكات، وعلى الخارجية أيضًا أن تعيد تنشيط اللجنة العليا المصرية الجزائرية لتكون مسئولة عن مراجعة جميع الملفات التى أفسدها ما حدث بعد المباراة ومن بينها تعويض المستثمرين الذين تعرضوا لخسائر، وإجمالاً ينبغى أن تعاد هيكلة العلاقة المصرية الجزائرية، بحيث نتمكن من تحديد مسئوليات الآخرين، وممارسة مسئولياتنا بإيجابية.
ومن بين تلك المسئوليات ما أسماه المهندس جورج إسحق القيادى بحركة كفاية بـ«إعادة ذاكرة الأمة»، فبين الجزائر ومصر تاريخ حافل بالحب والمساندة لا يتوقف فقط عند حرب أكتوبر وقبلها الثورة الجزائرية التى لم يشهدها الجيل الحالى، ويقول إسحق إن المسلسلات المصرية ليست كافية ليعرف الشعبان شيئا عن بعضهما، وإنما ينبغى أن تكون هناك برامج للتبادل الثقافى الحقيقى بين الشعبين والمسئولية الأكبر فى هذا تقع على مصر، وعليها أن تستعيد دورها التنويرى التثقيفى الريادى الذى كان لها والذى لم تنسَه الشعوب العربية، لكنه للأسف تراجع.. وبعبارة واحدة يقول إسحق: «مصر الكبيرة فشلت فى إدارة ماتش كورة، فكيف لها أن تدير ما هو أكبر وأهم وأعظم» مشيرا إلى أن أهمية عودة الدور المصرى فى المنطقة أساسى لاستعادة ثقة الشعوب العربية بنا.
بثينة كامل الإعلامية اللامعة ترى أن الإعلام الرسمى أفسد الدور التثقيفى لمصر بتبنيه خطابًا تحريضيًا ينفخ فى النار، التى ستحرق أطراف الممسكين بها أولاً، ثم تأتى علينا فى آخر الأمر، وتخص بثينة كامل المعلقين الرياضيين بنقدها، وتقول إن عليهم فى هذه اللحظة أن يلزموا بيوتهم ويلتزموا الصمت، وأن يتركوا الساحة للعقلاء فى البلدين للكلام وإصلاح ما أفسدوه بتحريضهم المجنون، وتتساءل بثينة كامل: «هل يعرف الإعلاميون الذين يصفون الجزائريين بالبربر أن البربر أصولهم ترجع إلى قدماء المصريين» لكنها لا تعفى أيضا القانون من دور عاجل يجب أن يقوم به من خلال فتح تحقيقات شفافة ونزيهة للجناة والمخربين، ومحاكمتهم على جرائمهم التى لن يسامحهم عليها التاريخ، والتمسك بحق الضحايا فى التعويضات.
لكن بعضا مما قد لا يمكن تعويضه إلا بكثير من الجهد كما ترى الأديبة أمينة زيدان بعد أن حول الخطاب الرسمى والإعلامى مباراة كرة إلى حرب لا تعنى الشعبين، لدرجة أن الأغانى الوطنية التى تتحدث عن الكبرياء والكرامة والحب تحولت إلى سلاح للتحريض، وتقول إن ما حدث لا يعبر عن حقيقة الشعب المصرى ولا الجزائرى، ولكنه يعبر عن حكومات تفشل فى إدارك مصالحها، ويكفى فقط أن نشير إلى أن مصر والجزائر تتبادلان الأيدى العاملة التى تدر دخلاً على الجانبين، فكيف نسمح بإلحاق الضرر بهم رغم ما لدى الدبلوماسية من أدوات فعالة كاتفاقات التعاون والبروتوكولات المشتركة التى وضعناها جانبا وتركنا قيادة الأمور للغوغائية ولأطراف من المؤكد أن لها مصالح فى إشعال الأمور إلى هذا الحد الذى يضر بمصالح الشعبين.
وتقول أمينة زيدان: «هناك عشرات الحلول العاجلة التى ينبغى على المسئولين الدفع بها بسرعة، حتى تزول من نفوس الناس هنا وهناك، آثار ما حدث، وحتى يدركوا أنها كانت حربًا وهمية لا تتناسب مع ما نعانيه بالفعل من أزمات».
ويضع سعد هجرس مدير تحرير جريدة العالم اليوم روشتة من أربع خطوات يبدؤها بضرورة استعادة القيادة السياسية على الجانبين، وقيادتها للأمور بعد أن اختطفها منهم المعلقون الرياضيون، وهو يطلب من الرئيسين مبارك وبوتفليقة أن يوجها رسائل عاجلة إلى الإعلام بأن يتوقف عن إثارة «الحرب القذرة» وأن يُعاقب الإعلاميون الذين يروجون الأكاذيب ويخدعون بها الملايين لإشعال الحرائق، وأخيرا أن يتوقف المثقفون عن لعب دور المتفرج، وأن يبدأوا فى التواجد بكثافة وسرعة على الساحة دافعين بالسفهاء والمحرضين بعيدا عن الساحة.