انتهت مباراة كرة القدم بين المنتخب المصرى والمنتخب الأخضر ليتأهل الأخضر على حساب الفراعنة لنهائيات كأس العالم 2010، وهو الحلم الذى ربما جمع 80 مليون مصرى للمرة الأولى منذ سنوات نحو هدف واحد وحلم واحد فاجتمع المثقف والعامل والرجال والنساء واتحدت القنوات الفضائية لتشجيع منتخب بلادهم .. وخصصت وأفردت الصحف المصرية صفحات خاصة للحدث.
بعد نتيجة المباراة الفاصلة وبعد ما تبعها من غضب فى الشارع المصرى على ما فعله مشجعو الفريق الأخضر.. وكل ما اقترفوه من آثام تجاه أمة ظلت وستظل هى الأعرق.
بعد أن هدأت العاصفة لا بد أنا من وقفة مع النفس.. وأكرر هنا مع النفس وليس مع غيرنا ولعل هذه الوقفة تأتى من مبدأ (( حتى يغيروا ما بأنفسهم )) فمع كل احترامى وتقديرى للإعلام المصرى فقد أثبت الواقع أننا نعانى معاناة لا بعدها معاناة فى مجال الإعلام.. فمع كل ما تمكله مصر من مقومات إعلامية ومع كل هذا العدد الهائل من القنوات الفضائية المصرية الخاصة والحكومية إلا إننا بكل أسف فشلنا... ولا أقصد هنا المنتخب المصرى، بل على العكس تماما فقد أدى أولاد شحاتة كل ما عليهم بكل جدارة، إلا أنهم كانوا ومع كل هذا التهليل الإعلامى يعزفون عزفا منفردا.. فهم فى وادى والإعلام المصرى فى واد.
بالطبع قد يبدو هذا الحديث غريبا ويستطيع أى فرد من ضمن 80 مليون أن يثبت عكس ما أقوله .. ولكننا للأسف تفوقنا إعلاميا، ولكن هذا التفوق لم يتعدى إلى أن يصبح تفوقا (( كما)) لا كيفا فقد استطاعت ومع كل أسف جريدة واحدة أن تهزم هذا التهليل الإعلامى المصرى.. فقد استطاعت صحيفة واحدة وهى الهداف ومعها الشروق فى الأيام السابقة للمباراة أن تفعل ما لم يستطع أن يفعله الإعلام المصرى.
فبالرغم من أن الجزائر لا تملك حتى قناة فضائية.. مقابل قمر صناعى بأكمله فى كفة المصريين .. وبالرغم من الصحافة فى مصر بدأت قبل نظيرتها الخضراء بمائة عام على أقل تقدير، إلا أن الإعلام الأخضر استطاع أن يفعل كل ما يريد.
فمع احترامى الكامل لكل وسائل الإعلام والصحافة المصرية فهى بكل تأكيد نجحت فى تشجيع منتخبها وتأييده وتجميع الشارع المصرى لمساندة منتخب الفراعنة.. ولكننا لسنا وحدنا فى هذا الزمن.. ونسينا تماما أننا جزء من أمة وهى بطبيعة الحال جزء من عالم كبير.
ففى الوقت الذى نجح فيه الإعلام المصرى فى الانتشار بين 80 مليون مصرى.. نجح الإعلام الأخضر فى الوصول إلى كل أنحاء العالم فاستطاعوا أن يصلوا إلى كافة الإعلام الغربى ويسوقوا أنفسهم بما أرادوا وبالشكل وبالكيف الذى أرادوه وخططوا له تخطيطا محكما.
وفبالرغم من مدى موقعنا الجغرافى الأقرب لدولة قطر صاحبة قناة الجزيرة.. وبالرغم من أن القناة تمتلك مكتبا إعلاميا فى القاهرة دون عاصمة الخضر، إلا أن الخضر غزوا القناة وعبروا عما يريدونه، بل فعلوا أبعد من ذلك فقد نجحوا فى تضليل الرأى العام العالمى، وصوروا للعالم كله كم وقعوا فريسه شعب بربرى نكل بهم وبلاعبيهم...
نعم نجحوا على مستوى الجزيرة وكافة القنوات العربية مع كل أسف أن يصوروا للعالم كله أن كل ما حدث من تطرف وإرهاب كان من جانب المصريين.. نجحوا أن يصوروا للعالم كله أن المصريين هم الأقرب من الصهاينة وأن مصر هى السبب الرئيس فى ضياع القدس..
فقد نجح الخضر بصحيفة صفراء وإعلام موجه أن يصلوا للعالم أجمع فى ظل الفشل الذى يعانيه الإعلام المصرى.. الذى اعتبره للأسف كالنفخ فى (قربة مقطوعة).
نجح الخضر حتى فى غزو السودان الشقيق إعلاميا وجذب ودهم وعطفهم أكثر من أشقائهم المصريين فقد نفى الأمن السودانى وبشكل قاطع ما زعمه المصريون من اعتداء الخضر عليهم، بل استغربوا مما ردده الإعلام المصرى، بل وحمّل الطرف السودانى القنوات المصرية مسئولية نشر أخبار عارية عن الصحة، كما جاء على موقع إيلاف: "ولعل كل من كان حاضرا فى الباحة الخارجية لملعب القلعة الحمراء فى منطقة أم درمان، لاحظ بوضوح تسيير الأمن السودانى للوضع هناك بشكل مثالى، حيث جرى إخراج البعثة المصرية والمشجعين أولا، وبعد ساعة جرى السماح للجزائريين بالخروج، ما حال دون وقوع أى احتكاك بين الجانبين، خلافا لما قاله الإعلام المصرى".
وتأتى الحلقة الأخيرة من المسلسل الأخضر باستدعاء وزير الخارجية الأخضر مدلسى للسفير المصرى هناك ويطالبه بوقف الحملة الإعلامية المصرية ضد الخضر.
نجح الخضر فى إرباك عدد من المسؤلين المصريين والذين سرعان ما قرروا قطع علاقاتهم الفنيه والسينمائية والغنائية والثقافية.... مع الخضر بسبب ما حدث من تجاوزات.. دون أن يأتى القرار بعد دراسة متأنية هادئة.
والأغرب فى الأمر أن الخضر لم يسيئوا لمصر فنيا ولا ثقافيا ولا حتى غنائيا... فبدلا من أن يصدر اتحاد كرة القدم قرارا يمتنع فيه عن ملاقاه الخضر فى أى محفل رياضى.. وهنا الأمر المستعبد بالطبع من جانب الاتحاد المصرى لكرة القدم الذى قد يعرض الكرة المصرية للتعليق من جانب الفيفا.
فبكل أسف حسبها وعقلها اتحاد كرة القدم ولم يتعجل فى الوقت الذى تعجل فيه الآخرين... وفى الوقت نفسه الذى طالب فيه الكثيرون بقطع كافة أنواع التعامل مع الخضر.. اقتصاديا وتجاريا.. دون أن يدرسوا سلبيات هذا القرار الذى يقدم للمنافس التجارى والاستثمارى الفرصة على طبق من فضة.
محمد جلال يكتب: مصر والجزائر.. الغباء الإعلامى
الخميس، 26 نوفمبر 2009 09:43 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة