لا تزال تداعيات مباراة مصر والجزائر فى السودان تثير شهية الصحف العالمية للتعليق عليها وتحليلها. ففى صحيفة الجارديان، كتب جاك شينكر يقول إن كثيرا من المظالم كانت تغذى أعمال العنف القبلية التى أعقبت هذه المباراة. وانتقد الكاتب ما قاله زميله جوزيف مايتون على صفحات الجريدة نفسها، ونشره اليوم السابع أمس الأربعاء، ورأى أن ما قاله مايتون من أن ما حدث لا يتعلق بكرة القدم وحدها، وأن المصريين غير قادرين على التعامل مع حقيقة أنهم غير قادرين على تحقيق النجاح حتى فى مجال كرة القدم، غير دقيق.
وقال شينكر إن زميله بدا أنه يدين حارقى الأعلام ويهنئ الشرطة ويهاجم الرئيس مبارك وما إلى غير ذلك. إلا أن الحقيقة كما يراها كاتب المقال أكثر تعقيداً وأقل من أن تثلج الصدور، فوسائل الإعلام غير المسئولة فى البلدين قامت بتعبئة نموذج سام من القبلية العشائرية بين بعض المصريين، بالمبالغة فى الشكاوى من الطريقة التى تمت معاملة المصريين بها فى الخارج.
ويمضى الكاتب فى القول إن الاعتداءات التى وقعت بحق المصريين فى الجزائر حقيقية، وحقيقة أنه تم السماح بها فى وجود الأمن تشير إلى بعض التواطؤ من الحكومة الجزائرية، على الأقل بشكل غير مباشر. فقد شاهد أحد المراقبين 200 من الشباب يحطمون شركة أوراسكوم ، وفى نفس الوقت تم فرض ضرائب على هذه الشركة من الحكومة الجزائرية تقدر بـ 600 مليون دولار، فى إشارة إلى أن الجزائر مستعدة لضرب البنية التحتية للاستثمار الأجنبى لديها من أجل إطلاق صاروخى آخر على جيرانها العرب. وأضاف شينكر أن عدم الاعتراف بأن مصر تعرضت للاستفزاز بأى شكل من الأشكال هو نوع من الخداع، على أقل تقدير.
ورغم انتقاد شينكر للطريقة التى أعرب بها المصريون عن غضبهم أمام السفارة الجزائرية فى القاهرة، إلا أنه رأى أن هذا لا يعنى عدم تفهم مشاعر عشرات الملايين من المصريين الذين كانوا يشيطون غضباً من الجزائر وعبروا عن غضبهم بطريقة مختلفة.
ومصر، مثلها مثل كل الدول بعد الاستعمار، تلعب على الشعارات الوطنية، فما بين مستويات التعليم الفقيرة وتدنى مستويات المعيشة والشعور بالحرمان من الحقوق، والقمع المنظم، فإن هذه الحماسة الوطنية التى يكسوها شبح القبلية دائماً ما تكون مجرد فقاعات تحت السطح.
ومصر ليست فريدة فى هذا الصدد، فهناك أمثلة لا تحصى من البلدان الأفريقية والآسيوية التى ترتفع فيها التوترات العرقية والعشائرية والقبلية بشكل أكثر وضوحاً، لكنها موجودة فى مصر بشكل خفى، وعادة ما يكون هناك فرصة ضئيلة للفخر بالعلم المصرى فى ظل تراجع دور مصر على الساحة الدولية وزيادة الفقر النسبى بين شعبها وقتل المدنيين والأبرياء على يد الشرطة.
وبطبيعة الحال، فإن كرة القدم تمثل استثناءً، حيث توفر منفذاً للمشاعر القومية غير الملوثة نسبياً من جانب الحكومة فى ظل حالة الفوضى التى تغرق فيها البلاد.
واعتبر شينكر أن الشىء الجيد الوحيد الذى نشأ عن الأسبوعين الماضيين أن هناك وعياً متزايداً بنفاق القادة السياسيين فى مصر الذين يعدون الآن بإطلاق "غضب مصر" على هؤلاء الذين تعدوا على حقوق المصريين. ويتعجب الكاتب من ضياع هذه الحقوق فى السنوات الأخيرة باعتقال المتظاهرين السلميين وتعذيب المعارضين وحوادث القطارات والعبارات التى أودت بحياة عشرات المئات من المصريين.
واختتم تعليقه بالقول إن المصريين يبحثون عن الخصوم خارج الحدود، إلا أن العدو الحقيقى قريباً منهم.
صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية علقت بدورها على الأزمة بين مصر والجزائر، وقالت إن الاشتباكات بين مشجعى البلدين تصاعدت إلى حادث دبلوماسى دولى يتعلق بجوهر هوية مصر وتراجع دورها كوسيط فى الشرق الأوسط.
ورأت الصحيفة أن القضية الحقيقية هى حالة القلق التى انتابت الدولة بشأن تراجع مكانتها الإقليمية واستمرار تراجع شعبية نظام مبارك فى الداخل. وتمضى الصحيفة فى القول إن حكومة مبارك فى محاولة واضحة لإخفاء كل المشاكل، داعبت عقود من العداء القديم بين مصر والجزائر لتأجيج نيران القضية.
وتنقل الصحيفة عن عادل إسكندر أستاذ الإعلام بجامعة جورج تاون فى واشنطن قوله إن النقاش يتعلق بالشرف والكرامة والاحترام وموقف مصر فى العالم العربى، وما إذا كان ينبغى أن تظل مصر ضمن العالم العربى أم لا. فمصر، كما يقول إسكندر كدولة قومية مشاركة فى السياسة الإقليمية، تشبه أستاذ فخرى فى الجامعة يتم قبوله فى اللجان ويجلس عليها ، لكنه فى الحقيقة لا يمتلك إلا قدر ضئيل من السلطة.
ورأت ساينس مونيتور أن مصر التى كانت يقودها يوما ما جمال عبد الناصر، أكثر الزعماء تمتعاً بالشعبية فى الشرق الأوسط وأبرز المدافعين عن القومية العربية، تواجه أزمة فى الهوية ناجمة عن تزايد الشعور بضعفها.
تداعيات مباراة الجزائر..
الصحف العالمية: المصريون يبحثون عن أعداء خارج الحدود
الخميس، 26 نوفمبر 2009 03:08 م
الجارديان البريطانية كريستيان ساينس مونيتورالامريكية <br>
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة