أكرم القصاص - علا الشافعي

خالد صلاح

شهادتى على 16 ساعة دامية على أرض السودان

الأربعاء، 25 نوفمبر 2009 12:42 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل ثروتى من الخيال الصحفى والإنسانى، وكل رصيدى من التوقعات المتشائمة، وكل ما رسمته من سيناريوهات مظلمة، لم يبلغ مثقال ذرة مما جرى فعليا من الجزائريين على أرض السودان، لم تنحدر ظنونى إلى هذه الحدود القاسية، وأنا أتخذ مقعدى على طائرة مصر للطيران المتجهة فى الثامنة صباحا إلى مطار الخرطوم، كان رفقاء الرحلة من الصحفيين والإعلاميين الذين بادروا فى براءة إلى مساندة المنتخب الوطنى فى المباراة الفاصلة، يتقاسمون معى رسم السيناريوهات لكلتا النهايتين (السعيدة والحزينة) على حد سواء، ماذا لو انتصر أبناؤنا ثم عصفت روح الانتقام بالجزائريين؟ ثم ماذا لو سقط الحلم وعصف بنا القدر خارج لعبة المونديال؟

كل الإجابات والاجتهادات والظنون لم تتوقع ما جرى بالفعل على أرض الواقع منذ اللحظة الأولى التى تحركت فيها السيارات متجهة إلى ستاد المريخ فى أم درمان، وحتى لحظة الإجلاء الشامل للمواطنين المصريين من على الأراضى السودانية صباح اليوم التالى للعدوان الجزائرى الأحمق.

كان القبح سائدا منذ المشهد الأول، الجزائريون ها هنا على اليمين وعلى الشمال فى الطرقات لا يلوحون بأعلام بلادهم أملا فى النصر، لكنهم يلوحون بأيديهم للسيارات المصرية بإشارات الانتقام، أو يرفعون لافتات تطعن فى شرف بلادنا داخل مدرجات الملعب، أو يلقون الزجاجات والحجارة على الجمهور المصرى فى المدرجات، أو يرددون الهتافات المهينة للشعب المصرى فى صرخات متتالية بشعارات سياسية لا علاقة لها بكرة القدم، ولا تتناسب مع ما كنا نفترضه نحن من مشاعر الأشقاء بيننا وبين الشعب الجزائرى، حتى لو كان جمهورا غاضبا فى مباراة رياضية.

رغم هذا الفحش، لم يكن فى الأمر شىء خارج توقعاتنا، لكن ما جرى قبل نصف ساعة من المباراة من الجهاز الفنى لمنتخب الجزائر ضد لاعبى منتخب مصر، أوحى إلينا بأن الأمور قد تزداد سوءا إلى حدود تتجاوز كل ما رسمناه من سيناريوهات، ففى فترة الإحماء التى تقاسم فيها المنتخبان المصرى والجزائرى أرض الملعب قبل بداية المواجهة، فوجئ الجمهور المصرى بنذر معركة أعلنها مدرب الجزائر فى وقاحة لافتة، حين دخلت إحدى كرات المنتخب الوطنى إلى نصف الملعب الجزائرى فلاحقها عدد من لاعبى مصر لإعادتها مرة أخرى، فما كان من مجموعة الجهاز الفنى الجزائرى إلا مطاردة اللاعبين المصريين بالصراخ والشتائم، ووقف أحد أعضاء الجهاز الفنى للجزائر على خط المنتصف، يحذر الفريق المصرى من عبور الخط مرددا نفس الشتائم التى يرددها الجمهور الجزائرى فى المدرجات وسط هتافات وصيحات مهينة لإرهاب اللاعبين المصريين.

دقائق أخرى قبل بداية الشوط الأول، بدأت اللافتات المهينة تعود من جديد، وبدأ الهتاف الجزائرى يتدنى إلى ما هو أبعد من الإشارات الوقحة، أو الشتائم السياسية مع دخول علاء وجمال مبارك إلى المقصورة الرئيسية، ومعهما عدد من أعضاء مجلس الشعب والنجوم المصريين، ثم ازداد الهتاف انحدارا وسخفا بعد إحراز الهدف حتى نهاية المباراة، لينسحب بعدها الجمهور المصرى التزاما بالتعليمات السودانية التى قررت بقاء الفريق المنتصر داخل المدرجات لمدة ثلاث ساعات حتى يتسنى للفريق الخاسر مغادرة أرض الملعب فى الطريق إلى المطار.

هنا بدأ السيناريو الأسود، لم يصدق هؤلاء الذين استقلوا الأوتوبيسات بعد دقائق من نهاية المباراة، أن الآلاف من الجزائريين ينصبون لهم فخا على طريق المطار، كيف خرجوا من ستاد المريخ فى أم درمان؟ وكيف تجمعوا على هذا النحو، بينما كانت الخطة الأمنية تقضى بغير ذلك؟ ثم كيف ظهرت الأسلحة البيضاء فى أيديهم على نحو صادم ليحاصروا بها المصريين العائدين فى حسرة بعد انكسار حلمهم فى المونديال؟

أعترف لكم بأن السيارة التى كنت أستقلها مع عدد من الإعلاميين فى قناتى (أو. تى.فى) و(أون. تى. فى)، سلمى الشماع ومى الشربينى وحسام صبرى وريم ماجد وماريانا يونان وعدد من المصورين، كانت هى السيارة الأوفر حظا بين كل السيارات المصرية المتجهة إلى مطار الخرطوم، كنا قد تركنا بعض حقائبنا فى منزل الوزير المفوض التجارى المصرى فى السودان، ورتب لنا الرجل سيارة ميكروباص صغيرة رافقنا فيها عدد من الموظفين السودانيين لدى البعثة الدبلوماسية والقنصلية المصرية فى الخرطوم، وأعترف لكم أنه لولا هؤلاء الرفقاء السودانيين، ولولا تصادف وجود منزل السفير المفوض فى منتصف الطريق بين ستاد المريخ ومطار الخرطوم، لتدهورت الأوضاع إلى الأسوأ بكل تأكيد.

حاصر مئات من البلطجية الجزائريين السيارة شاهرين العصى والأسلحة البيضاء والحجارة، ووقف عشرات منهم فى مواجهة مقدمة السيارة التى علقت وسط السيارات الجزائرية التى لا نعرف كيف وصلت إلى هنا قبل الجمهور المصرى، وكيف تحولت من التشجيع والهتاف المهين إلى الاستعداد للانتقام والحرب، بالنسبة لنا كان الجزائريون ثائرين بلا معنى أو هدف، وراغبين فى الانتقام من كل ما هو مصرى بلا سبب أو منطق، لكن الموقف لم يكن يحتمل الدهشة أو طرح الأسئلة أو حتى الإحساس بالشجن والحسرة على هذا القبح الصادر من مواطنين عرب ضد مواطنين عرب، من أجل مباراة لكرة القدم خرج فيها الجزائريون فائزين (بالزيف والإرهاب)، كان الموقف يفرض علينا أن نتصرف لحماية الإعلاميات السيدات المرافقات لنا فى السيارة، خاصة بعد أن بدأ هؤلاء البلطجية نوبة من الصراخ الهستيرى فى وجه السائق السودانى لإجباره على التوقف ليدخلوا بأسلحتهم، فى هذه اللحظة تحركت مع حسام صبرى إلى الباب الأمامى تحسبا لتطور هذا الطيش، وحركنا السيدات إلى مؤخرة السيارة فيما يصرخ الجزائريون فى الخارج (نذبحهم.. نذبحهم.. نذبحهم)!

وقفت مع حسام صبرى عند باب السيارة فيما طرأت إلى أحد مرافقينا السودانيين فكرة أخرى حيث أخرج رأسه من نافذة السيارة المجاورة للسائق، وصرخ فى هذا الحشد زاعما أن السيارة تابعة للشرطة السودانية وأنه فى مهمة لا علاقة لها بالمباراة، كان الرجل يصرخ فيما السائق يحاول عبور الجزيرة الوسطى للطريق ليتفادى هذا الحشد ويسرع إلى منزل الوزير المفوض، وهو ما استطاع تحقيقه بالفعل بمناورات صعبة وصراخ السودانيين فى السيارة بأنهم تابعون للأمن العام السودانى بعد أكثر من 20 دقيقة على هذا المأزق.

كانت غايتنا بعد أن وصلنا إلى منزل الوزير المفوض، الاطمئنان على عشرات الأصدقاء من الصحفيين والإعلاميين، مصطفى بكرى ووائل الإبراشى وأسامة عز الدين رئيس مجلس إدارة دريم، والسيد البدوى رئيس مجلس إدارة قنوات الحياة، وزملاء آخرين من صحف ومحطات تليفزيونية مختلفة، بالإضافة إلى عشرات الفنانين الذين احتشدوا فى أوتوبيسات أخرى كانت تتحرك تباعا من ستاد المريخ نحو المطار.

اكتشفنا بعد سلسلة من الاتصالات الهاتفية أن الأمر ازداد سوءا، إذ إن الفخ الذى نصبه الجزائريون بعناية، كان على بعد أقل من 3 كيلومترات من مطار الخرطوم، وإن الاعتداءات فى هذا الموقع بلغت حدا داميا ووحشيا من البلطجية الجزائريين على الأوتوبيسات المصرية التى تحمل العائدين إلى القاهرة.

أشهد هنا من أرض السودان بعدد من الحقائق التى لا ينبغى أن تذهب سدى، أو تتوه وسط موجات الغضب، أو تتعرض للتشويه من هؤلاء الذين كتبوا عن الحادثة ولم يروها، أو أرادوا استثمارها لأهداف رخيصة:

-1 أشهد بأن الأمن السودانى لم يكن متورطا من قريب أو بعيد فيما جرى، وأن كل السيناريوهات التى رسمها القادة السودانيون، ربما كانت مثل هذه السيناريوهات الساذجة التى رسمناها نحن أيضا فى الطائرة دون أن ندرك أن الصدور تضمر شرا أعظم، وأن السياسيين الجزائريين يخططون لما هو أبعد من الفوز فى مباراة لكرة القدم.

-2 أشهد بأننى شاهدت بعينى الطائرات العسكرية (سى 130) على أرض مطار الخرطوم، تنقل هذه الحشود من البلطجية الذين جاءوا خصيصا ليدفنوا العلاقات الأخوية بين مصر والجزائر على أرض السودان، وأشهد أن مسئولين أمنيين جزائريين، يرتدون ملابس مدنية كانوا يرتبون بأنفسهم هذه الطائرات، وينظمون ركابها خلال رحلة العودة من مطار الخرطوم.

-3 أشهد بأن هذه الحشود الإجرامية لم تعمل بعشوائية لكن عقلا مؤسسيا حركها منذ اللحظة الأولى حين احتكرت كل سيارات نقل الركاب فى الخرطوم، ورفعت الأعلام حتى على (التوك توك) الذى ينتقل فى المناطق المحيطة باستاد المريخ، أو حول أرض المطار وفى شوارع الخرطوم وأم درمان.

-4 أشهد بأن نتيجة المباراة خففت من حجم المأساة التى خطط لها الجزائريون عن عمد، فخسارة المنتخب المصرى بدلت الخطة من المذبحة الشاملة إلى العدوان البلطجى والإرهاب المنظم، وتحقيق خسائر وإصابات فقط، ولو كان الفريق المصرى قد قدر الله له الفوز، لعاد المنتخب ببطاقة المونديال وقتل نصف المصريين الذين ذهبوا لمساندته فى الخرطوم.

-5 أشهد أيضا أن أداء التليفزيون المصرى فى الساعتين اللتين تلتا هذه المفاجأة، كان أداء محبطا وواهنا وبلا وعى، فقد فوجئنا ونحن نتابع ردود الفعل فى مصر، بأن وزير الإعلام طلب من الجمهور المصرى التوجه إلى المطار ظنا منه أن المعركة فى مكان آخر دون أن يدرك أن الفخ تم نصبه على طريق المطار، فبادرت على الفور بالاتصال بعدد من المسئولين فى برنامج «البيت بيتك» من بينهم الزميل خيرى رمضان لتصحيح هذا الموقف، وإطلاع الناس على الحقيقة.

-6 أشهد أيضا بأن ما قام به عمرو أديب وأحمد موسى فى برنامج «القاهرة اليوم» فى هذه الساعات المؤسفة، كان من أبرز العناصر الفاعلة التى ساهمت فى تصحيح المعلومات المغلوطة التى أطلت على التليفزيون المصرى، ولولا الجهد الذى بذله عمرو وأحمد مع فريق التحرير المدهش والمحترف والوطنى فى «القاهرة اليوم»، لكان الأمر ازداد ارتباكا بين ما يقوله التليفزيون المصرى للناس، وما ينقله «القاهرة اليوم» على الهواء مباشرة بالاتصالات التى أجراها مع الأوتوبيسات المحاصرة.

-7 أشهد أيضا بأننى فوجئت بهذا العدد من الطائرات المصرية الذى تحرك فورا لإجلاء المصريين من السودان بعد تعليمات الرئيس مبارك، وأعترف، أننى قبل وصول الطائرات كنت أظن أن الأداء التنفيذى فى عمليات الإخلاء سيكون عاملا آخر للإحباط، لكننى فوجئت بقدرة كبيرة من أسطول الطائرات المصرية، وبحرص هائل من الشركة الوطنية والشركات الخاصة التى أرسلت طائراتها للمساعدة فى عملية نقل المواطنين المصريين إلى مطار القاهرة.

-8 أشهد بأن علاء وجمال مبارك كانا فى الميدان طوال الوقت، وأن كليهما عايش هذه الساعات الحرجة لحظة بلحظة، وتعرضا لمخاطر مماثلة لتلك التى تعرض لها الجمهور المصرى، وأن وجودهما فى السودان كان بمثابة عنصر الحسم فى نقل المشهد بدقة للرئيس مبارك، والمساهمة فى إدارة هذه الأزمة مع المسئولين والسياسيين المصريين بين الخرطوم والقاهرة.

-9 أشهد بأن السفير المصرى فى السودان، برهن على أسوأ معدلات الأداء السياسى والدبلوماسى والمعلوماتى غير المسبوق فى تاريخ الدبلوماسية المصرية، وأنه استهان بالمشهد الجزائرى، وبالترتيبات الجزائرية إلى الحد الذى وضعنا جميعا فى هذا المأزق، فى حين كان يمكن تدارك الموقف أو مجابهة البلطجة الجزائرية بحلول أخرى.

-10 أشهد بسوء التنظيم لكل ما جرى، بدءا من غياب العلم المصرى والترتيبات الخاصة بالجماهير المصرية داخل ستاد المريخ، هذه الجماهير التى فوجئت بأنها لا تحتل مكانا مستقلا داخل المدرجات، واختلطت مع الجماهير السودانية الغفيرة التى تعاطفت مع المنتخب المصرى فى حين غاب المشجعون الحقيقيون من أبناء مصر الذين يشعلون ستاد القاهرة حماسة فى المباريات الأفريقية والدولية.

هذه شهادتى على ما جرى فى السودان، متفاديا بالطبع الكثير من التفاصيل التى أدلى بها أصحابها من الذين تعرضوا لمواقف أكثر سوءا، وأوسع خطرا من الإعلاميين والفنانين المصريين، أما ما ينبغى أن نتوقف عنده هنا بعد كل هذا العدوان السياسى الأخرق من السلطات الجزائرية، وبعد كل هذا الانجراف الأعمى إلى العنف غير المبرر من الجمهور الجزائرى، هو هذا الظهور المشرق لهذه الجملة الساحرة التى رددها شعب مصر، ورددها الغاضبون من أبناء مصر الذين تظاهروا سلميا أمام سفارة الجزائر، ورددها السياسيون فى البرلمان، ورددها الرئيس مبارك شخصيا وهى (كرامة مصر وكرامة المصريين).

هنا يجب أن نتوقف كثيرا حول هذا الطرح الذى يستعيد متعة هذه الكلمة المبهجة والوطنية والنبيلة، وهنا يجب أن نتمهل فى دلالة ظهور هذه الكلمة بعد ما جرى من إهانة بالغة، لم نكن نتوقعها، ولم نستعد لها، ولم نقدر سيناريوهاتها جيدا. نحن مصرون هنا على أن تصير هذه الكلمة هى عنوان المرحلة المقبلة فى البلاد، لا يتعلق الأمر هنا بالفوز أو الخسارة فى مباراة لكرة القدم، ولا يتعلق أيضا بالتعرض المفاجئ لحفنة من البلطجية تعاملوا بكل القبح مع شعب مصر، وأطلقوا ضده رصاص البهتان والغدر والتآمر، ولكننا نريد لهذه الكلمة أن تظل نابضة بالحياة بعد نهاية هذه الأزمة، وبعد أن يهدأ غبار الثورة العاطفية ضد كل ما جرى.

كرامة مصر، تلك هى الكلمة التى لا نسمعها أبدا حين نمد أبصارنا يمينا ويسارا فى المحيط العربى، لنجد أنه لم يبق لنا من هذه الكرامة شىء نحن قرأنا الفاتحة على كرامتنا لسنوات طويلة، مشينا فى جنازة كرامتنا مرات ومرات لإهانات متتالية واعتداءات جامحة من هؤلاء الذين كنا نظن أنهم إخوة لنا فى الدم والعرق والدين، الآن حان لهذه الكلمة أن تتخذ مكانها فى سياساتنا الخارجية تجاه بلدان العالم، وفى سياسات الحكومة الداخلية تجاه مواطنيها أيضا. لا نريد لهذه الكلمة أن ترتبط مؤقتا بهذا الظرف العارض، لكننا نريدها أن تصير منهجا واستراتيجية محليا وعربيا وعالميا، ولكى تبقى على هذا النحو، ينبغى ألا نختزلها فى ردود الفعل الغاضبة على سلوك طائش من شقيق عربى، لا، بل يجب علينا أن نحول هذا المصطلح إلى سلوك وطنى بدلا من أن تكون رد فعل إعلاميا عابرا.

كرامتنا لن تتحقق بالردود الساخنة، وسحب السفراء للتشاور وقت الأزمات، أو حتى بمعايرة الجزائريين أو غيرهم بأننا علمناهم وأطعمناهم وحاربنا من أجلهم جميعا، وكرامتنا لن تتحقق بالغناء والصخب، أو حتى بتوجيه إهانات مماثلة وقوية ورادعة لمن يتجرأون علينا، لكن هذه الكرامة تعود راسخة حين يعود لهذه الأمة مشروعها الحضارى الأوسع، وتقدمها الداخلى اللائق، كرامتنا تعود شامخة حين يفجر هذا الغضب طاقات عمل حقيقية على أرض الواقع، وحين تحترم السلطة مواطنيها فى كل موقع، وحين تسترد الثقافة المصرية مشاعل التنوير السياسى والاجتماعى والاقتصادى من جديد.

نحن نعاير العالم الآن بما صنعه آباؤنا فى الماضى، نذكرهم بالأهرامات والفراعنة وحطين وأكتوبر وأم كلثوم وعبدالحليم وصناعة السينما والغناء والثقافة والدراما والصحافة والإعلام والصناعة والتعليم، فى حين صرنا نحن أبعد منهم عن هذا المجد، وأكثر خصومة مع هذا التاريخ.

كرامتنا لن تعود بباقات الورود التى نضعها على ضريح مصر التى كانت فى خاطر العرب وفى دمائهم، كرامتنا لن تعود ونحن نستمع إلى أم كلثوم وهى تنشد «مصر التى تتحدث عن نفسها»، كرامتنا لن تعود على أطلال الذكريات، بل بما نستطيع أن نحققه نحن الآن، ونعمل من أجله اليوم.

كرامتنا تعنى حصاد قوتنا جميعا (الشعب والسلطة) نحو أهداف كبرى ومشروعات وطنية، كرامتنا هذه لن تتحقق أبدا إن كان الشعب فى واد والسلطة فى واد آخر، ولن تتحقق إن كانت هذه الطاقة الشعبية الهائلة التى تشتعل غضبا فى ساعات الأزمة، يمكن أن تنتهى عبثا بلا فكر، وبلا إدارة، وبلا مشروع يصنع منها نهرا جاريا، يروى حقول الكرامة التى أوشكت على الجفاف.

سأكون فى صف هذه الجماهير الغاضبة من الجزائر حتى النهاية، لأننى أشهد بأن الحق معها فى هذه المأساة، ولكننى سأكون أيضا خصما لكل من يخفقون فى استثمار هذه الروح النابضة بالحيوية والتآلف من أجل مصر، لا من أجل رشق سفارة الجزائر بالحجارة ثم ينتهى كل شىء!!











مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة