تحايل الأدباء للتهرب من الشرطة الفكرية..

أدباء: علاقة الرقيب بالرقابة مثل الملوخية بكوبرى 6 أكتوبر

الأربعاء، 25 نوفمبر 2009 02:28 م
أدباء: علاقة الرقيب بالرقابة مثل الملوخية بكوبرى 6 أكتوبر الأدباء يشبهون الرقابة بالملوخية
كتبت وفاء عبد اللطيف نصار

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يتوقف تيار التلميح وتجنب أعين الرقابة ذات الأصوات العالية عن مسيرته، فبداية من تغيير الأسماء وملامح الشخصيات حتى تخيل أبطال وهمية تحل المشكلات القائمة، نظراً لفقدان البطل الحقيقى، لجأ بعض الأدباء الذين عذبهم صمتهم إلى تلك الحيل والتخفى وراء أقنعة التضليل والتلميح وهناك عدة أسباب لذلك لعل أبرزها خوفهم من فقدان مناصبهم والخوف من تجربة السجن التى مر بها عدد لا بأس به من الأدباء.

فقد أبدع نجيب محفوظ فى هذا التيار فى عدة روايات له، منها (اللص والكلاب – السمان والخريف)، حيث عرض ما لا يريد الصمت عنه فى رواية تحمل فى مكنونها ما يفهمه كل ذى نظرة متأملة، وعلى الرغم من انتقاد غالى شكرى له قائلاً: "نجيب أشجع فنان وأجبن إنسان، لأنه لا يواجهه على الرغم من أنه اتبع الصراحة فى بعض الروايات منها الكرنك الذى انتقد فيها ما يدور حوله من أحداث.

ولكن التلميح والرمز يختلفان عن الغموض، حيث يرى بعض الكتاب أنه بمثابة النكهة التى يضفها الكاتب لكتابتها بينما يرى آخرون أنها زادت عن الحد تصل لمرحلة التضليل وهنا تضيع قيمة اللغة التى فى هدفها توضيح الأفكار وليس إخفاءها.

أكد المؤلف ياسر بدوى أستاذ النقد والدراما بجامعة سيكم للفنون والعلوم التطبيقية، أن الرقابة هى التى تجعل الأدباء يلجأون للحيل، حيث قال "الرقابة غير دستورية، لأن الدستور ينص على حرية الإبداع بكل صورة والتعبير عن الرأى، وهى تعيق تطبيق هذا الدستور، فتاريخياً وجدت الرقابة لنبتعد عن التابوهات (سياسة - دين- جنس) بمعنى أننى إذا تعارض رأيى مع الحكومة أو القيادة الحاكمة هنا اعتبر مخالفاً والحقيقة أن الرقابة وجدت لتحافظ على كرسى الحكم وللأسف هذة الرقابة توجد عندنا فى الوطن العربى فقط، على الرغم من أن بعض الدول العربية تحررت من هذا الأسلوب العقيم".

وأضاف "المضحك فى الأمر أن الرقيب لا يفقه شيئاً فيما يحكم وعلاقته بالثقافة وأنواعها كعلاقة الملوخية بكوبرى 6 أكتوبر أو علاقة الجاموسة بالبيانو، فقط بإمضاء صغيرة منه تمنع من النشر أو العرض! وأتذكر أننى كتبت مسرحية تحت عنوان "وطنى حبيبى" تدور فكرتها حول صحوة التماثيل بمتحف الشمع ومنهم ( أدهم الشرقاوى – عنتر وعبلة – ياسين وبهية) واعترضت الرقابة على نص المسرحية الذى يقال فيه "القصر الكبير لازم ينهد"، حيث إن القصر فى القصة يوجد فى مصر الجديدة، فقلت للمراقب إذن غيره وأجعله فى حلوان إذا كانت هذه المشكلة! ما هذا العبث؟ أنا لا أؤمن أن كل الأعمال تراقب سواء فنية أو أدبية فهناك من يستطيع أن يتهرب وينشر ويذيع ما يريد، فإذا منع الإبداع وأصبح مقيداً بشروط، فالطبيعى أن يتهرب الكتاب من تلك الرقابة العقيمة التى تستند رفضها على لفظ أو معنى من رؤيتها لا يجب نشره.

أما عن طرق التهرب من الرقابة، فقال "نلجأ آسفين لذلك معتمدين – آسف لقولى هذا – على غباء الرقيب، فنلجأ للرمز والتمليح إذا أردت الحديث عن مصر مثلاً أكتب عن شخصية اسمها "ولادة" وأقول على لسانها ما أراه من شكوى تعانيها بلدى، فالرمز أدبياً مقبول وله أساتذته منذ القدم ولكن المحك هنا أن تقدم الأمم يقاس بحرية إبداعها فلم يجبرونا على الكتابة بطرق ملتوية وتلميحية، فأقول لكل رقيب "أرجوك ... لا تكبلنى".

قال الشاعر محمود القرنى، مشرف الصفحة الثقافية بجريدة القدس العربى: "الأشكال الرقابية على الإبداع تشهدها كل الثقافات الإنسانية ليست العربية وحدها، فقد صودرت أعمال شديدة الأهمية عبر التاريخ وقد تجاوزت أوروبا على سبيل المثال مأزق الرقابة الذاتية والقانونية أما فى الشعوب العربية فقد استمرت الرقابة فى حالة طوطمية مرتبطة بالمرجعية الدينة المتكلفة وبأنظمة الحكم وظل هذان العاملان يمثلان خطراً على حرية الإبداع، ففى السنوات الماضية حدثت تدخلات رقابية كثيرة، فضلاً عن مسألة الرقابة الدستورية، فإن الجهة الوحيدة القادرة ولها حق المصادرة هى القضاء، ومع ذلك فإن الأشكال الرقابية يمارسها فى كثير من الحالات عمال المطابع فى هيئة الكتاب وقصور الثقافة فى أكثر من اتجاه وأكثر من عمل، كما يمارسها مثقفون نيابة عن الدولة، كما تمارس بعض دور النشر الخاصة الرقابة الذاتية التى تظل قيداً على المبدع فى مثل هذة الثقافات المحافظة".

وأضاف: "لا يمل المبدع فى إيجاد طريقة ليمرر من خلالها ما يريد ولكن سمة اختيارات دقيقة عليه أن يتأملها فأصبح الهدف الأساسى ليس إنجاز أدب مباشر وخطابى يسعى لتدمير المقدسات دون أدنى دوافع مرجعية جمالية لذلك، فإن خطى المبدع فى هذا السياق لابد أن تكون محسوبة، فكثيراً ما تكون أسقف الحرية التى يتطرقها الفنانة تمثل ضرراً كبيراً على الإبداع لتحوله إلى محض شعار أجوف".

وأشار القرنى إلى خطر الرقابة التى تدفع الكاتب للتحايل، قائلاً: "نحن نواجه تدميراً لجزء أساسى من المخيلة التى يعكف عليها المشروع الإبداعى لإنتاج مبدع حقيقى، لكن يظل هذا طموحاً معلقاً فى الفراغ طالما ظلت قدرتنا على الإنتاج المعرفى محدودة، فالمستقبل لا ييسر بانتقال الحقيقة لا على مستوى البنية السياسية أو الاجتماعية".

أما دكتور حسن حمودة أستاذ النقد بكلية آداب جامعة القاهرة، قال: "أعتقد أن المبدعين الكبار لا يواجهون أى مشكلة فى التعامل مع الرقابة لأنهم يملكون ما لا حصر له من طرق وأداوت تعبير ويقولون ما يريدون قوله فى الحيز المتاح لهم، وإن كانت هناك حالات فى تاريخ الإبداع والثقافة تصادم فيها المبدعون مع الرقابات المختلفة، وهذا الأمر لم يكن خاصاً بثقافتنا، فحسب وإنما عرفته الثقافة الغربية ولعلنا نذكر أعمال (دى إتش لورانس) فى بريطانيا و(هنرى ميللر) فى الولايات المتحدة الأمريكية، فالمشكلة الأكبر والأسوء هى تخص المبدع مع الرقابة فتتمثل فى أن يحمل المبدع رقيباً فى داخله فهنا يكون السجن الحقيقى والمصادرة الكبرى وهذا ما يدفع الكتاب للتلميح والتحايل للهروب من الرقابة".





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة