يسرى فودة

السباحة ضد التيار

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2009 06:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا كان الهدف يقع فى الاتجاه الذى يأتى منه التيار فإن من العبث أن تسبح مع التيار. ورغم هذا فإن كثيراً منا يفعل ذلك أساساً لسببين: أولاً لأن السباحة ضد التيار مسألة مرهقة تنضوى على مخاطر، ومن ثم لا يقبل التحدى الذى تفرضه هذه المسألة عادةً سوى قلة، وثانياً لأن السباحة مع الأكثرية تمنح المرء إحساساً، وإن كان إحساساً مزيفاً، بالأمان.

غير أن كلا الإحساسين، الراحة والأمان، سرعان ما يتلاشيان لدى مصب التيار عندما يدرك المرء بعد رحلة طويلة حقيقة ما فعله: أنه تعمد بذراعيه، وهو يدرى أو وهو لا يدرى، توسيع الهوة بين يديه والهدف الذى كان يسعى إلى القبض عليه. بعبارة أخرى فى شكل نكتة: «واحد بلدياتنا ضاع منه جنيه فى حتة ضلمة راح يدوّر عليه فى حتة منوّرة».

هل حدث لنا شىء من هذا القبيل بعد مباراة فى كرة القدم؟ يبدو الأمر كذلك، سواء فى مصر أو فى الجزائر، حتى تمكَّن الذين لا يعلمون من الذين يعلمون وسيطرت على الموقف روح الغوغاء. وحين يحدث هذا يمكن لطرف إصبع أن يحرك ما لم يكن يقدر على تحريكه جيش من الناس. وليس هذا بجديد؛ فقد قام أحد علماء النفس فى أمريكا قبل نحو نصف قرن بدراسة طريفة على مرحلتين: فى المرحلة الأولى أطلق إنذار الحريق فى دار سينما تعج بالمشاهدين فاختلط الحابل بالنابل وتدافع الناس هرباً فى غوغائية، وفى المرحلة الثانية أطلق الإنذار فى وجود نفر قليل فلم يفزعوا، وإنما تبادلوا المعلومات والاستنتاجات وخرجوا فى نظام.

لقد اختلط الحابل بالنابل من قبل مباراة القاهرة ومن قبل مباراة أم درمان وبينهما وبعدهما، ولا يزال مختلطاً ولا يزال مرشحاً لمزيد من الاختلاط. وهذه فى حد ذاتها نتيجة أخرى سيئة تضاف إلى ما سبقها من سوء: أن يمتد فزع الغوغاء من دار السينما إلى الشارع إلى البيت دون أن تلوح فى الأفق نهاية.

دعونا نسبح ضد التيار لعلنا نستطيع أن نقبض على الهدف الذى يقبع لدى منبعه. والهدف هو وضع ما حدث فى حجمه الحقيقى والضرب فى الوقت نفسه بيد من حديد على كل من ساهم، عالماً أو غير عالم، فى تأجيج فتنة كنا جميعاً فى غنى عنها. ولأننى مصرى فلابد أن أكون أكثر قسوة على نفسى وعلى أبناء بلدى أولاً إلى أن يتوفر بين يدىّ دليل قاطع على خطأ الطرف الآخر، وهناك بعض الأدلة التى يمكن تقديمها بحرفية وبهدوء دون أن يقودنا الحزن على الخروج من كأس العالم أو الحماس الأعمى أو أجندة الاستهلاك المحلى أو ركوب موجة «الوطنية» فى غير موضعها.

إذا كنا حقاً نريد الخروج من هذه المعجنة بأقل قدر ممكن من الخسائر فلنفتح تحقيقاً مهنياً جاداً، ربما من خلال جامعة الدول العربية، يقوم خلاله كل طرف بعرض قضيته وتقديم أدلته وإلا فليسكت. ولا بد لتحقيق كهذا من أن تكون له أسنان تعض من تثبت مسئوليته، وزيراً كان أو خفيراً، فى مصر أو فى الجزائر.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة