لم يجد المخرج المصرى الشاب مازن سعيد، مساحة ليروى مأساته ومأساة مواطنين مصريين لم يرتكبوا ذنبا سوى أن قرروا مؤازرة منتخبهم الوطنى فى السودان على نفقتهم الخاصة، سوى على صفحته الشخصية على الفيس بوك التى كتب فيها بالصور والتفاصيل كل ما تعرضوا له هناك.
"الحكاية بدأت عندما اخترت الذهاب أنا و أختى الصغيرة على نفقتنا الذهاب لمؤازرة منتخبنا الوطنى، واخترت أن تذهب أختى معى لكى يرى العالم أننا المصريين لا نهتز للإشاعات ولا نخاف من أحد، وكان من المقرر أن نستقل الطائرة فى تمام الساعة الـ12 ظهر يوم ما قبل المباراة، ولكن فوجئنا باتصال من شركة مصر الطيران، يلزمنا بالتواجد فى المطار فى تمام الساعة الـ12 بعد منتصف ليل الخميس 17 نوفمبر، لأن رحلة السودان ستقوم بعد ٣ ساعات.
وصلنا إلى المطار أنا وأختى، وتحركت الطائرة فى ميعادها الساعة الثالثة والربع فجرا من مطار القاهرة متجهة إلى مطار الخرطوم فى رحلة تستغرق حوالى ٣ ساعات وخمسين دقيقة، وصلنا بعدها إلى مطار الخرطوم بالسودان، كانت هذه المرة الأولى ويمكن الأخيرة لوجودى بالسودان، وكان فى استقبالنا أفراد الأمن السودانى، وكان يبدو القلق على أعينهم، وعندما وصلنا إلى الأتوبيس الذى سيحملنا إلى قاعة الوصول بالمطار، كان هناك أيضا الأتوبيس الذى يقل الجمهور الجزائرى الذى ظل بداخل الأتوبيس حتى نزولنا و دخولنا إلى قاعة الجوازات،
وخرج واحد منهم من الشباك وأشار لنا بحركة بيديه الاثنين صانعا شكل الهرم، مما لها معنى آخر "للكبار فقط"، فبدا بعضا من الجمهور المصرى معى فى الأتوبيس مستاء جراء هذا الجزائرى، و كانوا على وشك أن يبدأوا بالسب، وحاولت بعدها تهدئة الموقف، ونظرت إلى المجموعة المرافقة قائلا "محدش يتعصب على حد منهم، معانا أطفال وبنات وشيوخ.
المهم وصلنا إلى قاعة الجوازات، وفوجئنا أنه لا يوجد جهاز كشف المعادن "سكانر" فقلت لنفسى "روحنا فى داهية.. زمان أى حد جاب معاه أى سكينة أو أى مطوة.. جوا البلد"، ووقفنا فى طابور الجوازات، وكان هناك عسكرى يوزع علينا استمارة لكى نكتب فيها بياناتنا، وفوجئت أن الاستمارة التى وزعت علينا جميعا كانت "استمارة سفر السودانيين"، ليست استمارة وصول أجنبى، المهم ملأنا الاستمارات، وجاء دورى سريعا عكس المتوقع ففوجئت أن الضابط الذى يختم جواز السفر يختمه على الفور، دون أن ينظر إلى الاستمارة أو الجواز أو حتى التأكد من أننى صاحب الصورة التى بالجواز من عدمه.
وبمجرد أن تحركنا فوجئت بعدد من السودانيين يرفعون العلم الجزائرى ويشيرون إلينا بإشارات مهينة كناية عن الخسارة والهزيمة، ثم انحرف الأتوبيس عن مساره، ونحن لا نعلم إلى أين يأخذنا، بعيدا عن الفوج السياحى والتشريفة التى كنت سعيدا بها، وأصبحنا ثلاثة بدلا من ٢٠ أتوبيس، وبدلا من تشريفه أمنية قوية، أصبح موتوسيكل واحد هو الذى يحرس الثلاث أوتوبيسات، وقال لنا الإخوة السودانيون أنهم سوف يأخذونا فى مكان على النيل وسنأكل سمكا مشويا على ضفاف النيل، ففرحنا، ولكننا فوجئنا بأنه ليس منتجعا سياحيا، فقط الكراسى البلاستيكية مستظلة تحت الشجر والمنطقة معزولة عن المدينة و كانت بالفعل مثل أدغال أفريقيا التى نراها فى الأفلام الأمريكية.
وصلنا إلى الاستاد حيث كانت الجماهير كثيرة والتراب فى كل مكان والفوضى، وقف فجأة سائق الأتوبيس وأنزلنا فى نقطة معينة، وقال لنا إنه سيأتى إلينا هنا بعد انتهاء المباراة فى حالة فوز مصر، فسألته "طب لو بعد الشر خسرنا؟" قال لى مدير الأمن "إن فى حالة الخسارة يجب أن ننتظر ٣ ساعات داخل الاستاد"، فقلت لنفسى كيف يعقل هذا وماذا عن الاحتفالات بالفوز، فأخبرنى أن ما سيفعلونه هو الخطة المتبعة، وبعدين "ورونا إزاى حتكسبوا أصلا"!
وذهبنا إلى الخارج كيوم الحشر والتراب فى كل مكان والظلام يغطى كل شىء ولا يوجد إضاءة، وتسمع البكاء الشديد بين المشجعين المصريين والتائهون عن بعضهم والذى يبحث عن بنته وآخر يبحث عن أصدقائه "ولا يوجد أى أتوبيسات" فى مشهد كئيب يبكى أى أحد، والمفاجأة هى اختفاء كل عناصر الأمن السودانى مرة واحدة وانتشار اللصوص السودانيون فى الظلام محاولين أن يسرقوا هواتفنا المحمولة والشنط بالإكراه والترصد لنا، ونحن عزل بلا سلاح و بلا أمن وبلا انتصار فى الظلام والفوضى العارمة والحسرة والبكاء.
وبعد فترة وجدنا الأتوبيس فجرينا عليه و صعدنا كلنا.. كان هناك واحد ينقصنا لم نرد أن نتركه لوحده فذهبت للبحث عنه، ووجدته فى النهاية وعدنا إلى الأتوبيس
وتحركنا باتجاه المطار وطلبت من الجميع أن يغلقوا الستائر، وطلبت من السائق أن يغلق الضوء داخل الأتوبيس حتى لا نصبح هدفا سهلا لأى جزائرى، وطلبت من أختى أن تضع حقيبتها بجوار الزجاج تحسبا لأى غدر، وخلدنا إلى النوم، وفجأة سمعنا تكسير الزجاج، ورأيت بعينى الجزائريين وهم يطيحون بالدبش والطوب كل أتوبيساتنا بلا رحمة وبلا شفقة على المسنين بالداخل ولا الأطفال ولا السيدات ولا نحن العزل.
تحركنا فى النهاية بعد أن قام البعض فى الأتوبيسات الأخرى برمى السائق خارج الأتوبيس، وتجمعنا كلنا عند نقطة التجمع المصرية المقيمة من الحزب الوطنى المصرى لراعية الجالية المصرية وإحساسنا بالإهانة يغمرنا والمسئولية تحتمنا الحفاظ على أبنائنا وبناتنا وشيوخنا.
ثم سمعنا أن سيادة الرئيس قد قام بالفعل ببعث طائرات خاصة لنا لإنقاذنا، وأنه قد تحدث إلى البشير الذى كان غالبا نائما، وتحدث إلى سيادة الرئيس الذى كان يكلمه بصيغة التهديد إذا لم نؤمن سوف يتصرف سيادته ومصر قادرة على حماية أولادها فى أى مكان، وعلى الفور انتشرت عناصر الجيش، وأقاموا حذر تجول وكنا نحن نستعد للدخول فى الأتوبيسات إلى أن وصلنا إلى المطار بعدما وقعت أعينا على مجموعة من المشجعين الجزائريين الذين حاولوا استفزازنا ثانية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة