لن أنسى أبداً الابتسامة التى كست وجه صديقى السودانى محمد جبارة عندما قلت له إنكم فى السودان ينطبق عليكم المثل المصرى "يا قاعدين يكفيكم شر الجايين" ساعتها قال لى جبارة وأنا أركب معه سيارته من مطار الخرطوم إلى استاد نادى المريخ بأم درمان "الشر اذا جاء من مصر فهو الخير كله لنا "، فالسودان لم يكن لها ناقة ولا جمل، إلا أنها قررت الاستجابة للرغبة المصرية فى إقامة المباراة الفاصلة بين منتخبى مصر والجزائر على أرضها، رغم علمها المسبق بمدى المشاكل التى يمكن أن تسببها هذه المباراة لها، ولكن السودان قبلت التحدى، واعتبرته تحديا أمنيا تستطيع من خلاله أن تقول للعالم إن الخرطوم تمتلك القدرة على ضبط الأمن على أراضيها، فى ظل الاتهامات المتكررة لحكومة الخرطوم بضعفها على ضبط الأمن الداخلى.
السودان قبل التحدى وأظهرت القوات السودانية قدرتها على ضبط الأمن، لكن للأسف الشديد تعاملت الجماهير الجزائرية مع المباراة عسكرياً، أظهر بعض النواقص فى الاستعدادت الأمنية السودانية للمباراة، وإن كنت لا أعتبرها نواقص، لأننا كلنا نعرف أن أى دولة مهما كانت قدرتها الأمنية لا تسطيع وقف جماح جماهير أتت لهدف واحد وهو الشغب والقصاص كما كانوا يقولون.
ولكننى فى المقابل ألوم على الإخوة السودانيين فى شئ وحيد، هو عدم إدراكهم السريع لخطة الجزائريين البديلة التى قامت على أن يظل عدد كبير منهم فى مطار الخرطوم وشارع المطار فى انتظار المصريين، فى حين كان تركيز السودانيين الكامل على الاستاد الذى استطاعوا السيطرة الكاملة عليه.
نعم حيل الجزائريين تعدت الخطة الأمنية السودانية، لكن هذا لا يعنى التشكيك فى علاقة السودان بمصر، أو القول بأن السودانيين تواطئوا مع الجزائريين، لأننى باعتبارى كنت ممن سافروا إلى الخرطوم ضمن الوفد الإعلامى للحزب الوطنى الديمقراطى، فقد رصدت مدى الحفاوة التى استقبلنا بها الإخوة السودانيون من المطار ووصولاً إلى استاد نادى المريخ، وكم كنت فى غاية السعادة وأنا أرى أعلام مصر ترفرف على البيوت السودانية البسيطة، حتى بعد انتهاء المباراة وهزيمة المنتخب المصرى، لم تنكس الأعلام المصرية التى ظلت فى أيدى السودانيين ممن أصابهم الحزن مثلنا تماماً ، فلا يمكن أن أنسى حسبو كمال الدين المذيع بالإذاعة السودانية الذى استضافنى فى منزله وهو يحاول أن يخفف عنى علامات الحزن بقوله "يا أخى لست وحدك الحزين على خسارة المنتخب المصرى ولكننا كلنا"، ولن أنسى أبداً كيف وقفت مجموعة من السودانييين لا أعرفهم ولا يعرفوننى، عندما قاموا بإنقاذى من وسط أربعة جزائريين أرادوا ضربى، لا لشئ إلا لأننى أضع علم مصر على كتفى.
حقاً إننى أتحدث عن السودان التى أكرمت ضيافتنا، بدافع الأخوة والعلاقة الأبدية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة