على بريشة

"الأعدقاء".. فى الجزائر أم فى مصر؟

السبت، 21 نوفمبر 2009 07:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتهى أطول أسبوع مأساوى عاشته مصر منذ زمن طويل.. مونديال 2010 أراد أن يلقننا صفرا آخر يكشفنا أمام أنفسنا ويضعنا فى مواجهة عنيفة مع الفشل.. سوف يحاول الفاشلون عندنا من أهل الحكم أن يحولوا الأنظار عنهم.. أن يحركوا المشاعر نحو عدو بعيد.. الأعداء الذين كنا نحسبهم أصدقاء فاكتشفنا أنهم "أعدقاء".
المأساة ليست أننا خسرنا مباراة.. بالطبع لا.. ولا حتى أننا صدمنا فى عروبتنا ونحن نواجه برياح الكراهية القادمة من "الأشقاء" الأعدقاء.. المأساة الحقيقية أننا (وللمرة الألف والمليون) نكتشف كم أن مصر أصبحت ضعيفة عاجزة قليلة الحيلة .. لا تملك التأثير فى أحد ولا تملك حماية مصالحها أو حماية أبنائها فى أى مكان.. نتمسح فى الحكمة ونخرج من دولابنا العتيق ثياب الشقيق الأكبر (التى أصبحت رثة قديمة أكلتها العتة وبالت عليها الفئران) ونرد على اللكمات بالكلمات وعلى الأفعال بالشعارات وعلى ضرب الحبيب بأكل الزبيب.. فنحن لا نمتلك أى أدوات للتأثير أو الرد أو القدرة على إدارة الأزمة.. أى أزمة.
دعونا من موضوع استعدائنا على الجزائريين أو استعداء الجزائريين علينا.. دعونا من قصة المباراة والخناقات والإعلام وعمرو أديب وجريدة الشروق الجزائرية.. دعونا نركز فقط فى شىء واحد.. كيف أدارت الحكومة المصرية بأجهزتها ومؤسساتها الأزمة التى نشأت مع الجزائر (حكومة وشعبا) طوال الأسبوع الماضى .. الأزمة لم تكن مفاجئة.. كان لها مقدمات وكان هناك تسخين يجرى منذ أسابيع.. وكان الموقف الرسمى هو استخدام أسلوب التهدئة.. وعيب كده.. وإحنا إخوات.. ماشى.. ولكن أبسط مبادئ إدارة الأزمة أن يتم التخطيط لكل السيناريوهات الممكنة بما فيها أسوأ السيناريوهات تطرفا.. ووضع الحلول المناسبة لكل منها..

إذاً.. ماذا فعلت الحكومة بعد أن بدأ التصعيد الجزائرى يصل إلى الذروة عقب أحداث 14 نوفمبر.. عندما تم الاعتداء على المصالح المصرية والمواطنين المصريين فى الجزائر وبطريقة جماعية وممنهجية، وضح فيها أن كرة الجليد تدحرجت من فوق الجبل وتحولت إلى سيل عارم نسمع هديره ونرى وعيده قادما علينا.. ماذا فعلت حكومتنا وهى ترى السب والقذف المختلط بالأكاذيب الفاجرة فى جميع وسائل الإعلام الجزائرية ضد مصر والمصريين؟.. ماذا فعلت الحكومة المصرية عندما أصبح الرعايا المصريون فى الجزائر رهائن ترفض السلطات الجزائرية السماح برحلات شارتر طارئة لإعادتهم إلى أوطانهم؟.. ماذا فعلت الحكومة المصرية عندما قامت السلطات الجزائرية بضربة اقتصادية موجعة لشركة مصرية وادعت أنها اكتشفت فجأة وبالمصادفة ضرائب متأخرة تصل لحوالى 600 مليون دولار ليهبط مؤشر البورصة المصرى فجأة نحو الأسفل.. يا نهار أبيض.. المفروض أن الاستثمارات الأجنبية سلاح عند المستثمرين.. وطالما سمعنا من محللى حكومتنا كلاما خانعا يتحدث عن المستثمر الأجنبى وكأنه البعبع الذى لا ينبغى إغضابه وإلا سحب استثماراته وأمواله وتركنا نغرق فى الجوع والبطالة والديون.. لماذا يتحول الاستثمار الأجنبى إلى سلاح على رقبتنا فى أوطاننا.. ويتحول استثمارنا نحن فى الخارج إلى سلاح على رقبتنا برضه فى أيدى من يريد أن ينتقم منا.. طبعا لم (تفعل) حكومتنا أى شىء تجاه كل هذه الأفعال.. وحتى أكون منصفا أقول إنها اكتفت بالردود الدبلوماسية عبر القنوات الشرعية.. يعنى كل (فعل) قامت به الحكومة الجزائرية ردت عليه حكومتنا (بكلمة).. يعنى إذا تم ضرب المصريين فى الجزائر ترد الخارجية المصرية بخطاب شديد اللهجة يقول للجزائريين (إخص).. وإذا أممت الجزائر شركة مصرية بحجة الضرائب المتأخرة ترد الخارجية المصرية بخطاب آخر شديد اللهجة تقول فيه: (إخص عليكم إخص) .. يعنى كالعادة.. الرد على اللكمات بالكلمات.
طيب.. بلاش الجزائر.. ودعونا نقيم أداء حكومتنا فى موقعة السودان.. لماذا تلقى الجمهور المصرى هذه العلقة الساخنة فى الخرطوم.. هل كانت هذه العلقة مفاجئة.. أبدا.. أى عيل صغير قرأ الصحافة الجزائرية طوال الأيام السابقة على علقة السودان، يعرف جيدا أنهم كانوا يدبرون لمجزرة حقيقية.. كانت الخطة واضحة.. وتم شحن الفتوات والبلطجية وقوات الدرك فى صورة مشجعين.. وصادرت السلطات السودانية أكثر من أربعة آلاف قطعة سلاح أبيض من أيدى المشجعين الجزائريين.. وكل الجماهير المصرية التى تم تكسير عظامها فى السودان تعلم أن الهجوم عليها كان منظما وممنهجا.. خطة عسكرية واضحة يؤديها محترفون.. يا ترى لماذا كانت الحكومة المصرية هى الكائن الوحيد فى هذا الكون الذى أصيب بالدهشة عندما جرت الواقعة وسمعناها تتمتم على لسان مسئوليها.. (إخص.. عيب كده.. هى ماتش كورة ولا معركة حربية).. ما هو كل الدنيا كانت عارفة إنها حتبقى معركة حربية.. فلماذا استعدت الجزائر بالبلطجية والفتوات وقوات الدرك ولم ترسل مصر إلا الفرافير والفنانين والمحاسيب مع إن البلطجية فى مصر زى الهم على القلب وشباب العشوائيات وعساكر الأمن المركزى وفرق الكاراتية وخبراء تقفيل اللجان الانتخابية ماليين البلد.. هل كانت الحكومة المصرية غير قادرة على التنسيق الأمنى مع السودان التى هى امتداد مصر الطبيعى وفنائها الخلفى.. ومركز الثقل فى أمنها القومى.. هل يمكن أن يصبح تأمين بضعة آلاف من المواطنين المصريين فى السودان أمرا عسيرا يجرى اختراقه بهذا الشكل..
.. فلنشتم الجزائر والجزائريين.. نلعنهم.. نعايرهم بأيادينا البيضاء عليهم ونلوذ بالتاريخ كما تعودنا كلما اصطدمنا بخوازيق الواقع المؤلمة.. وليشتمنا الجزائريون ويلعنوننا فى المقابل.. وليرفع الجانبان شعار: "هم الذين بدأوا بالعدوان".. فكل هذا يرضى السادة الفاشلين عندنا وعندهم الذين يعرفون جيدا أن هذا الغضب الشعبى إذا لم نفرغه فى بعضنا بعضا يمكن أن ينقلب عليهم يوما ما.

الشعوب تلعب بكرة القدم.. ولكن قدم الحكام تلعب بالشعوب.. وحكامنا فى مصر وفى الجزائر اختاروا أن يلعبوا بالشعبين نفس اللعبة.. لعبة التنفيس.. شعبان مطحونان تحت الفقر والبطالة والفساد والقهر السياسى والتطرف وأوطان بلا قضية أو مشروع قومى يستهلك طاقات الشباب.. فليصبح حب المنتخب هو حب الوطن.. ولتصبح غوغائية المدرجات هى البديل لحرية الشارع.. ولتصبح الأندية بديلا عن الأحزاب.. نفس اللعبة تبنتها الحكومتان "الشقيقتان" فى القاهرة والجزائر.. فلقب "راعى الرياضة والرياضيين" لا يمكن أن يطلق إلا فى العالم الثالث الفاشل..
ولكن المؤسف.. أننا فى مصر فشلنا حتى فى ممارسة لعبة الفاشلين.. وتفوق فاشلو الجزائر علينا..





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة