خالص التحية والتقدير للمدرب الوطنى الكبير حسن شحاتة وزملائه فى تدريب المنتخب المصرى، وتحية أيضًا لكافة لاعبى الفريق ونقول لهم إن خسارة مباراة لا تعنى بأى حال من الأحوال نهاية العالم، كما كان البعض يرغب فى إقناعنا، أمامكم تحد كبير متمثل فى الاحتفاظ بكأس الأمم الأفريقية حين نفوز بها فى أنجولا إن شاء الله، أنتم فريق الساجدين اجتهدتم وبذلتم أقصى ما فى وسعكم ولم يدخر منكم أحد جهدًا، لكن لم يحالفكم التوفيق وهذا أمر طبيعى جدًا فى عالم الكرة بصفة خاصة والرياضة بصفة عامة.
أثار مسلسل مباريات الجزائر العديد من الانطباعات فى عدة اتجاهات منها السياسى والاجتماعى وبلا شك الإعلامى، وقد لا يتسع المجال لتناول كل هذه الانطباعات لذا آمل أن تتاح مساحة أكبر من مقال واحد لتناول هذه الانطباعات بعد أن تهدأ توابع مسلسل مباريات الجزائر ويعود الجرحى والمصابون من ساحات المعارك وخنادقها، ومعهم الجنرالات الذى صالوا وجالوا فى ساحات الوغى التى اختلقوها اختلاقاً لأغراض فى أنفسهم، والذين اختاروا استغلال مسلسل المباريات لأغراض سياسية سواء فى مصر أو فى الجزائر نسوا أو تناسوا أن مباريات مثل هذه تسببت فى وقوع حروب أهلية وإقليمية‘ فإحدى شرارات حرب البلقان فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى اندلعت فى أعقاب اشتباكات بين مشجعى فريق دينامو زغرب الكرواتى وفريق النجم الأحمر الصربى فى أعقاب مباراة فاصلة فى الدورى المحلى.
وفى سنة 1969 كانت الأجواء شديدة التوتر بين دولتين من دول أمريكا اللاتينية، هندوراس والسلفادور، على خلفيات نزاعات متعلقة بهجرة العمالة وملكية الأراضى الزراعية فى هندوراس. وكان فريقا البلدين يخوضان المباريات المؤهلة لنهائيات كأس العالم سنة 1970 وشهدت لقاءات الفريقين أعمال شغب، لا تختلف كثيراً عما شهدته شوارع الخرطوم والقاهرة والجزائر العاصمة، ومن المفارقات الغريبة أن الفريقين اضطرا للعب مباراة فاصلة على أرض محايدة فى العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتى لكن الأمور تدهورت بسرعة فى أعقاب ذلك ونشبت حرب طاحنة بين البلدين، وهناك شبه إجماع بين المراقبين والمحللين على أن السبب الرئيسى فى اشتعال الحدود بين هندوراس وجارتها السلفادور هو الشحن الإعلامى المبالغ فيه، والذى سخر لخدمة أهداف طبقة ملاك الأراضى الزراعية فى هندوراس. والسؤال الذى يطرح نفسه بشده ماذا لو كان هناك تماس حدودى بين مصر والجزائر؟
إذن التاريخ يسجل أن مباراة فى كرة القدم مدتها تسعون دقيقة يمكن أن توغر صدور قوم على قوم آخرين، أو أن تشعل صراعًا خامدًا، أو أن تختلق صراعًا دونكيشوتيًا لا أصل له فى الأساس، أو أن تسخر لأغراض سياسية لا صلة لها من قريب أو من بعيد بالرياضة، وربما كان جنرالات الحروب الإعلامية على دراية بكل هذا، وربما كانوا أدوات فى حبكة مقصودة لها أهدافها المحددة.
كان مشهد هؤلاء المذيعين الذين رقصوا وتراقصوا على أنغام المزمار البلدى طربًا وابتهاجًا بفوز المنتخب المصرى فى جولة القاهرة ليلة السبت فجًا ومتنافيًا مع كل أصول الحرفية الإعلامية الرصينة، وبدًا أنه محاولات مستميتة للتماهى فى الاعتذار عن إساءات سابقة لرموز الفريق المصرى. تصوروا مهرجين يرتدين أقنعة حيوانية رخيصة وبهلوانات بألوان فاقعة وزفة مزمار أحسبها انقرضت، إلا من حفلات الطهور عرفت طريقها إلى استوديوهات يفترض أنها تقدم وجبات إعلامية صحية لجمهور المشاهدين، واكتملت فصول الملهاة بعد جولة الخرطوم فإذا بنا نسمع مزيجًا من الصراخ والنحيب على أرواح المصريين التى تزهق ودمائهم التى تسيل فى شوارع الخرطوم على أيدى أعدائهم من الجزائريين وأعوانهم من السودانيين. ووصل الأمر إلى مرحلة غير مسبوقة حين دعا أحد المذيعون فى فورة شوفانية هستيرية مفتعلة إلى الانتقام من الجزائريين الموجودين فى القاهرة والأخذ بالثأر لأولادنا، وعلى الجانب الآخر كان الإعلام الجزائرى سباقًا فى تسخير إمكانياته المتواضعة لإذكاء الفتنة مستخدمًا مصطلحات من قبيل استاد "تل أبيب" و"آل فرعون" وتشبيهات ساقطة من قبل "نكسة 1967"، وعلى قنوات أخرى استمر الجميع السقوط الحر الذى لم يستثنِ أحدًا من جوقة الإعلاميين: فعلى الجميع المشاركة فى إيجاد المبررات لخسارة مباراة فى كرة القدم تحولت بقدرة قادر إلى حلم قومى وما كان لها أن تصبح كذلك بأى حال من الأحوال.
وبادئ ذى بدء أقول أن منتخبنا قد خسر بشرف مباراة كرة قدم جرت فى الخرطوم، لكن آخرين من هنا ومن هناك هزموا هزيمة هى بمساحة الفضاء الذى يملئونه بسمومهم، وللحديث بقية.
محمد سامى الشاهد يكتب: من الذى هزم فى الخرطوم؟
الجمعة، 20 نوفمبر 2009 03:18 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة