المكان: قرية الكسابية شبين القناطر فى محافظة القليوبية.
الزمان: كل صباح.
الأحداث: مأساة بيت مصرى بلا حمام فى زمن الحكومة الإلكترونية وأنفلونزا الخنازير.
الأبطال: رضا وزوجته وأولاده الثلاثة.
سيناريو واحد يتكرر منذ خمس سنوات ولا مجيب كلما طرق «رضا على سلام الشبل» 32 سنة الأبواب قائلاً: «أنا مش عايز فلوس فى إيدى، أنا عايز حد يعملى حمام عشان عيالى ومراتى مايتبهدلوش».
يسير رضا كل يوم نصف كيلو من منزله حتى أقرب جامع لبيته، يتوجه «للميضة» يستحم ثم يتوضأ ويخرج للصلاة، يتوجه لربه ويناجيه: «يارب وقف لى ولاد الحلال وأقدر أبنى حمام فى بيتى»، يتكئ على جدار الجامع ويعود بذاكرته خمس سنوات، حين تزوج من ابنه عمه سمية، وعاش فى غرفة مبينية بالطين النى، يعرشها بالبوص والقش، ومات والده تاركا له ولأخواته التسعة قطعة أرض اقتسمها وبنى بيت على نصيبه، وباع جاموسته حتى استطاع بناء غرفتين بالطوب السويسى، واستدان من الجميع وأكمل بناء البيت، ورزقه الله ثلاثة أطفال أحمد ومنة وعمر، ولم يستطيع تحمل بناء الحمام، وحفر وبناء «طرنش» ومواسير صرف.
يفيق رضا على صوت الإمام: «ساووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة» ويصلى الفجر ويعود لمنزله، ليجد زوجته على «قارعة الطريق» تحمل فوق رأسها «صفيحة» صدئه تفوح منها رائحة الصرف الصحى ومياه الاستحمام التى ملأتها من الطلمبة، تلقيها فى أقرب أرض فضاء بجوار منزلهم، تعود متأففة وتحمد ربها على نصيبها، وتشد «طرحتها» وتقصد باب كريم هى وزوجها.
رضا ليس له باب رزق ثابت فهو «على باب الله»، فى موسم التين الشوكى، يبيعه ويطلع بـ20 أو 25 جنيها يوميا، وفى موسم الفراولة يأخذ زوجته ويجمعها مقابل 10 جنيهات له ومثلها لزوجته، يعيش حياته حسب المواسم الزراعية يبيع الطماطم، والكوسة والكرنب، ويحمد ربه على صحته، زوجته تربى البط والفراخ وتبيعهم، لايعرفون دخول الجمعيات لأنهم بلا دخل ثابت.
سمية بمنتهى الحياء تخبرنا عن حياتها مع زوجها وصعوبة العيش بلا مياه أو نور كيف تغسل كل شهر لأنها تحمل هم رمى المياه، وكيف تستحم كل ثلاثة أسابيع هى وأولادها، وكيف تؤجل واجباتها الزوجية حتى لا يتهكم عليها الجيران كل صباح وهى تحمل مياه الاستحمام، وكيف أصيب ابنها أحمد بحساسية فى عينيه لا تشفى بسبب رائحة المياه القذرة فى غرفة نومهم جميعاً.
رضا حين يحدثك لا يدعى الفقر، أو يستدر عطفك، لكنه طوال الوقت يحمد ربه على الصحة، وأنه لم يحرم أبناءه من شىء، يروى لك كيف توجه لمؤسسة التكافل الاجتماعى بالقليوبية يطلب المساعدة وبعد 7 شهور، أرسلوا له 50 جنيها معونة شتاء!
استطاع أن يقابل الإعلامى محمود سعد على باب التليفزيون وجها لوجه وأعطاه شكوى فى يده وطلب مساعدته، لكن لم يصبه الدور.
يروى لك كيف تعاطف معه الفنان سمير الإسكندرانى وأعطى له تليفونه الخاص ووعده أن يأخذه بنفسه لجريدة الجمهورية ولم يحدث، فطرق باب «اليوم السابع» وها نحن نعرض قصته.