تسعى إسرائيل دائما لبث الذعر فى المنطقة لتعلن عن ثقافتها، تأكيدا على ما تهدف إليه من خلال تصرفات ترجع إلى معتقد دينى لديها، ولعل من أهم هذه التصرفات ما تقوم به فى الأراضى الفلسطينية من إقامة سور ثعبانى يحتضن المستوطنات التى أقيمت شرقى الخط الأخضر فى الضفة المحتلة..
فثقافة الأسوار هى معتقد متأصل منذ القدم ترى فيه الحماية والعزلة، فقد ذكرهم القرآن الكريم (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب) وكذلك (لا يقاتلونكم جميعا إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر) فثقافة الجدران والأسوار ليست وليدة على الفكر الإسرائيلى، فقد أقامت خط بارليف أيضا الذى يدعى أنه كان عظيما وتحطم فى ساعات فى حرب السادس من أكتوبر.
وتظل هذه الثقافة تراود الفكر الإسرائيلى كلما ظهر الاحتياج إليها فهم يعتقدون أن الجدار أو السور هو الذى يحميهم حتى وإن عاشوا فى عزلة متقوقعة فهذه هى حياتهم ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة) فقد ذكرت كلمة حياة نكرة دلالة على عدم قيمتها فى أى حياة.
لذا شرعت الحكومة الإسرائيلية منذ حكومة شارون المضى فى قدما بإقامة الأسوار بداية من مايو 2002، وبدأت وزارة الدفاع فى تطبيقه بطول 360 كيلومتراً، والمرحلة الأولى منه 140 كيلو متراً، إنه أطول بكثير من جدار برلين، وأطول من جدار هارديان بين أسكتلندا وإنجلترا (120 كيلو متراً)، وهناك جدار آخر فى اسكتلندا هو جدار أنتونى (59 كيلو مترا). والمفارقة هنا أن فكرة بناء السور تعود فى أصلها إلى القوى العمالية واليسارية، فيما كانت الأحزاب الموصوفة باليمينية والتطرف العنصرى معارضة لها.
كان رأى العماليين أن السور سوف يمثل "سياجًا أمنيًّا" يؤكد نظرية الفصل والتمييز بين العرب واليهود بما يحفظ نقاء الدولة اليهودية. ومفهوم النقاء هنا هو الاسم الحركى للأبعاد العنصرية التى تستبطنها هذه النظرية. هذا على حين اعتبار اليمينيين أن السور سيحدد الدولة الفلسطينية، وسيعنى الموافقة على التصور الفلسطينى لهذه الدولة فى حدود 1967، ولكن الأمر الذى لا يسعهم التجاوب معه، وهذا ما يعتقدونه فى اللاوعى الفكرى، بعد أن ضربت المقاومة الفلسطينية أعظم البطولات رغم الأسلاك الشائكة والأسوار العالية..
فأسوارهم بنيت بأساس من الخوف والرعب تبدو وكأنها قوية ولكنها هشة القوى والبنيان، ستكون لوحات جدارية تخيفهم مثل لوحات ناجى العلى، سيرتعدون منها كلما نظروا إليها فخلفها أسود تتربص بهم سيعيشون فى عزلة من الرعب والخوف الذى بنوه بأيديهم.
ألم تعط هذه الفلسفة درسا للطوائف الفلسطينية فى الاتحاد خلف هذا السور الذى ضرب فى ظل الفرقة بين الفصائل بعضها ببعض للتوحد خلف ما ضرب عليهم.