أجمع عدد من النقاد والشعراء على أن الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى هو أهم شاعر عربى شهدته الحركة الشعرية الإبداعية، وأنه خلق لنفسه حالة فريدة فى الشعر لن تتكرر بعده، جاء ذلك خلال الاحتفالية التى عقدت مساء أمس الاثنين بورشة الزيتون احتفالا بمرور 50 عاما على صدور ديوانه الأول "مدينة بلا قلب".
حضر اللقاء عدد كبير من الشعراء والنقاد المقربين لحجازى، على رأسهم الدكتور محمد عبد المطلب، والناقدة سناء أنس الوجود، وهويدا صالح، وسعيد توفيق رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، والشاعر حسن طلب والشاعرة ريم قيس كبة، وأدار اللقاء الشاعر شعبان يوسف.
وقال شعبان يوسف عن الديوان الصادر عام 1959 إنه جاء كالطلقة التى ربما أزعجت البعض، ولكنها أسعدت الكثيرين، وعلى رأسهم حجازى وهو فى الرابعة والعشرين من عمره وقتها لم يكن يتوقع كل هذا الاحتفاء، وأن يكتب الناقد رجاء النقاش له مقدمة ديوانه التى ازعجت الكاتب عباس العقاد كثيرا فهاجمه حجازى فى ديوانه "أوراس".
وأضاف أن ديوان "مدينة بلا قلب" ليس مجرد قصائد مرت عليها ما يقرب من خمسين عاما، لكنه حالة شعرية عكست واقعا قد لم يعاصره كثيرًا منا وسيتم النظر فيه مجددا وتجديده، وأشار شعبان إلى أنه على الرغم من وجود عشرات الشعراء الذين يُحتفى بهم فى عدة بلاد وتفترش لهم صفحات الجرائد والمجلات إلا أن قصائدهم ليست حقيقية أو حتى بمكانة أشعار حجازى.
وعبر يوسف عن غضبه من حذف بعض المقاطع من قصائد هذا الديوان لأسباب سياسية وقتها، لأن هذا الحذف أخلّ بجمالها وناشد حجازى بإعادة كتابتها مرة أخرى، مثل قصيدته "أغنية لحزب اشتراكى" والتى أصبحت بعد التعديل "أغنية لحزب سياسى" فانتقلت من الخاص للمطلق، وكذلك قصيدة بغداد التى حذف منها اسم عبد الكريم قاسم لتوتر العلاقات بين السلطات المصرية والعراقية وقتها، وأضاف "رغم ذلك نجح الديوان فى التعبير عن معنى الوجود وعن مسار شعرى كامل، ولابد أن تلتفت له لجان الشعر وبعض المؤسسات للاحتفال به وإعادة نشره بدلا من إشعال معارك قد تكون قليلة الأهمية كمعركة قصيدة النثر".
واتفق معه محمد عبد المطلب الذى أكد أن أشعار حجازى تحتاج للتطهر قبل الإقدام على قراءتها، وقال عن ديوانه الأول "قدمه حجازى باعتباره شاعرا جديدا وقتها، ولكنه خلق به لنفسه حضورا قويا فى الواقع الثقافى، ورغم قراءة الديوان عدة مرات، إلا أننى فى كل مرة اكتشف شيئا جديدا لم أعرفه عن حجازى من قبل، واستطاع من خلال إصراره وهو صغير، أن يخلق لنفسه مكانة وسط قمم لا تقبل تجديدا فى الحركة الشعرية إلا بعد جدال، فخلق لغته الخاصة وصنع منها كوادر تعبيرية".
وتابع: "تناول الديوان عدة محاور بداية من كلمة المدينة التى جاءت بعنوانه، وصنع بها مفارقة أزلية بين عالم القرية الذى نشأ وجاء منها وعالم المدينة الذى رفض أن يقول إنه هاجمها، فنجد تكراره لكلمة "مدينة " 21 مرة ولم ينسبها لنفسه إلا مرة واحدة كدليل لكره لها وأنه لم يستأنس معها، كما نجد حجازى هو الشخصية المركزية فى كل دواوينه، ولا يعنى غياب القرية من عنوانه تجاهلها بل استحضر فى الديوان طفولته فيها بكل تفاصيلها ومعالمها".
واستكمل قائلا إن المفارقة التى صنعها بين المدينة والقرية كانت هى البنية الأساسية فى الديوان ككل، والحالة الوحيدة التى صنع فيها مفارقة لنفسه كانت فى دفاعه عن الكلمة عندما قال، أنا أصغر فرسان الكلمة، وأشار إلى أن قصائد "الطريق إلى السيدة"، و"إلى مدينة مجهولة" و"عابرة" من أروع ما كتب حجازى".
وقال الشاعر حسن طلب إن هناك شعراء تقترن أسماؤهم بأعمالهم الأولى مثل جمال الغيطانى ومحمود حسن إسماعيل، رغم أن الكتابات التى تليها قد تكون أكثر قوة لكن يظل العمل الأول هو محط الأنظار ويحتل المرتبة الأولى فى قائمة أعمال أى شاعر، وأضاف أن هناك نوعين من الشعراء، الأول يكون الشعر نابعا من داخله، فيبين ذاته مثل حجازى، فنطلق عليه الاتجاه الوجدانى، ونوعا آخر يتناسى أعماله الأولى ويخجل منها فنتناساها.
وتخلل اللقاء بعض القراءات لعدد من القصائد بصوت الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى والشاعر شعبان يوسف، ومن بينهم قصيدة "صورة لأمى فى شبابها" والتى نشرت فى الثانى من الشهر الماضى، "الطريق إلى السيدة" وقصيدة "أثبت بأعلى السلم" التى نشرت فى مجلة صباح الخير بتاريخ 6/12/1956.