اللعنة على الاحتفالات بالفوز، بل اللعنة على الفوز نفسه إذا كانت النتيجة ضياع حقوق وأرواح وتألم بشر ليس لهم فى الأمر شىء ، من حق أى إنسان أن يعبر عن شعوره بالفرح والسعادة كيفما شاء وبالأسلوب الذى يراه، فهو حر ما لم يضر، أما إذا تسبب بهذا الأسلوب فى إلحاق الضرر بممتلكات الغير أوعرض حياته وحياة الآخرين للخطر فهذا هو المرفوض بل وجب معاقبته، ترددت كثيرا فى انتقاد احتفالنا الغوغائى بالفوز ولكن لأن الإضرار بالناس والشرك بالله فى كفة واحدة فقد قررت الكتابة.
عفوا يصعب علَى أن اصف جزءا من الشعب الذى يشرفنى الانتماء إليه بالغوغائى والهمجى ولكن ماحدث وما شاهدته اغضبنى وقادنى إلى قلمى وأنا ثائر لأعبر عما بداخلى، قد يؤيدنى البعض وقد يعارضنى كثيرون وربما اتهمونى بالعمالة وعدم الانتماء، صدقونى كنت مشدودا أكثر منهم، ودعوت الله كثيرا فى صمت أن ينصر المنتخب المصرى وكاد قلبى أن يقف بعد هدف عماد متعب وأصبت بهبوط ولكننى لم ولن أفعل مثلهم رغم سعادتى بالفوز.
المحتفلون بالفوز صعدوا فوق السيارات الواقفة حول الاستاد وهشموا أكثر من 50 سيارة وآخرون قطعوا الشوارع الرئيسية وأجبروا السيارات على التوقف وصعدوا فوقها رغما عن أصحابها، وتلاقت كلاكسات المحتجين من أصحاب السيارات مع صيحات وزمامير المحتفلين لتشكل لحنا نشاذ يثير الأعصاب ويقلق راحة المرضى .
سيارة إسعاف كانت تحمل مريضا يصارع الموت فشلت فى الوصول إلى المستشفى تلاشت صرخات نفيرها أمام ضوضاء وصيحات المحتفلين بالفوز وتوفى المريض فى سيارة الإسعاف وأبطل السائق المحرك فلم يعد فى عجلة ووقف ينتظر الفرج، وأب مكلوم ارتفعت درجة حرارة ابنه فجأة فاصطحبه فى سيارته إلى المستشفى وتوقف وسط المعجنة وراح يتوسل إليهم أن يفسحوا له الطريق لينقذ فلذة كبده دون جدوى، حتى دموعه لم تشفع له.
وهناك محتفلون مروا فى مسيرة أمام أحد المحلات وراح كل منهم يخطف كيسا من البضائع المرصوصة وأسرع التاجر وألقى بجسده على بضاعته بسرعة فى محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وراح بعضهم يخطف الأعلام من ركاب الأتوبيسات وهم يلوحون بها ونزعوا أعلاما كانت معلقة على السيارات الأجرة والميكروباص بالله عليكم ما ذنب كل هؤلاء.
كثيرا ما انتقدنا الأمن المصرى فى طريقة تعامله مع المتظاهرين وكان المدافعون عنه يردون بأن الشعب لم يبلغ سن الرشد بعد ويحتاج لسنوات حتى يدرك ثقافة التظاهر والاعتراض وها هو الواقع يؤكد صدقهم، فإذا كان التعبير عن الفرح بهذا الشكل فكيف يكون التعبير عن الغضب؟ ربما لهذا السبب اطلق الرئيس السادات على ثورة الشعب فى 18 و19 يناير عام 1977 انتفاضة الحرامية، مطلوب توعية المواطنين بخطورة التجمعات وكيفية التعامل معها ففيها ترتكب الموبقات باسم الاحتفال أو الاعتراض.