ما حدث بالأمس كان مهماً، وتستطيع أن تتأكد إذا ما عرفت أن كل الأجيال فى مصر فرحت، ولك أن تتخيل أجيالاً لـ80 مليون.. تفرح!
فمواليد الثلاثينيات أطال الله أعمارهم فرحوا، ومواليد الأربعينيات أطال الله أعمارهم أيضاً فرحوا، ومواليد الخمسينيات أطال الله أعمارهم أيضاً فرحوا، ومواليد الستينات أطال الله أعمارهم أيضاً فرحوا، ومواليد السبعينات (مثلى) فرحوا 4 أيضاً، وكذلك الحال مع مواليد الثمانينيات، والتسعينات، ومواليد 2000 كل هؤلاء فرحوا، وفرحوا، وفرحوا.
"ليلة إمبارح" التى فرحت فيها أجيال لم ترَ فرح الانتصار من قبل، لم تكن ككل الليالى ولا بعضها ولا مثلها، كل من ذاق الفرحة أمس تمنى أن لو كانت طويلة المفعول، تمنى أن لو كانت "أنتى بيوتيك" ضرورى نتعاطاه كل فترة، كانت الفرحة هى فرحة شعب نسى كيف يفرح ولماذا، ولهذا كانت الفرحة هكذا فرحة.
وفى صباح الفرحة ولأننى كنت ليلتها ممن وقفوا فى البلكونة بالأعلام مع بناتى الصغيرات اللاتى رسمن علم مصر على وجوههن، ووقفن مع صديقاتهن من الدور السابع وصرخاتهن "مصر" تشق عنان السماء، بينما أمسكت إحداهن بطبلة تنطلق منها دقات الانتصار فى مشهد مفرح لم أرَ بناتى فى مثله من قبل، فقد كنت فى صباح الليلة أمنى نفسى بمفعول ممتد للفرحة أتقوى به على مشاركتى للناس معاناتهم اليومية المتعددة، والمتجددة، صعدت مبتسمة إلى "سى.تى.إيه" المعادى – المهندسين، تفاءلت ببركات النصر الجميل فقد انتظرت الـ "سى.تى.إيه" العظيم قليلاً على غير العادة، مشى العظيم بالركاب مسافة 500 متر تقريباً فقط ولم يكمل الفرحة، وإذا به يقف معلناً عدم استكمال المسير إلى المهندسين، لأن الفرامل ضعيفة، وهنا ثار الناس بداخل الـ"سى.تى.إيه"، شريحة طلبة الجامعة المتضررة دعت على السائق قائلة: "منك لله ملحقناش نتهنى بفرحة الماتش، هيه دى مصر يا عبلة"، "فيها إيه لو يخلوا اللاعيبة الحداشر يمسكوا الوزارات يمكن حال عيشتنا يتعدل"، أما الشريحة الأخرى فقد كانت من الموظفين، وهؤلاء طالبوا السائق برد قيمة الأجرة ووجهوا له الأسئلة التالية فيما يشبه "خناقة ع الصبح" :
س: طيب إحنا ح نكمل إزاى وممعناش غير اللى ركبنا بيه؟
ج: طيب وأنا أعمل إيه، مقدرش ألم التذاكر منكم ولا أرد قيمتها لكم، كده ممكن أتحبس فى قضية اختلاس.
س: طب وإحنا مالنا وإيه اللى طلعك أصلاً من الموقف والعربية مفيهاش فرامل؟
ج: لأنى لازم أستلم، وكل العربيات فى الهيئة فيها مشكلة وحالتها حالة، والمفروض أنها اتصلحت من يومين ولما طلعت بيها كانت ماشية وسليمة، مش عارف إيه اللى حصل.
س: طب اتصرف، إحنا اتنكدنا واتأخرنا على أشغالنا وكل ده بخصومات.
ج: أعمل إيه، لو سوقت العربية على حالتها دى ح أوديكم المستشفى، وبعدين أنا مرة جازفت تحت ضغط الناس ومشيت بيها السنة اللى فاتت وموتت طفل كان بيعدى الشارع وكل اللى الهيئة عملته إنها قنطرت العربية وسابونى محبوس!
بصراحة ومن بين السطور الفائتة ستجد سلسلة من الحقائق المرعبة، تخيل أن أحد سكان حى المعادى الذى يفترض أنه "راقى" لا يملك فى جيبه سوى أجرة الباص المكيف، فما بالك بـ"المواطن" فى بقية أرجاء القاهرة وضواحيها، ووفقاً للتوقيت الرسمى لأنفلونزا الخنازير، وأن الباصات التى يفترض أنها فاخرة فى الهيئة الموقرة "حالتها حالة"، وأن الهيئة عندما يرتكب السائق حادث هى شريكة فيه تكتفى بقنطرة الباص ويترك السائق فى الحبس، ناهيك عن حقيقة أخرى، وهى أن باصات الهيئة بلا فرامل وأنها تدهس الصغار والكبار بدم بارد، فضلاً عن "قلة الحيلة" لدى المواطن الراكب والمواطن السائق.
هذه هى "لقطة" منغصة سريعة (ع الماشى) بلا موعد، صدفة ليست أبداً خيراً من ألف ميعاد، نعم صدفة طرحت السؤال الملح والسخيف: لماذا نحن موعودون بمن يسرق فرحتنا؟ لماذا "مبنلحقش" نتهنى حتى بفرح تصنيفه هو "فرح التافهين"، كما يقول زميلى محمد الدسوقى، فرح عابر غير متأصل، وليس لشىء جوهرى مؤثر فى حياة الناس ومصائرهم؟ ولماذا نحن مخيرون دائماً بين أن نفرح بلا عيش أو نعيش بلا فرح، أو لا نعيش ولا نفرح فى آن واحد؟! وما هو الأفضل أن نعيش فقط، أم نفرح فقط، أم لا هذا ولا ذاك؟! هل الاختيار متاح أصلاً؟! وهل من الممكن أن نفرح و"إحنا مش عايشين" ؟! وهل أثبت المصريون أن الإجابة المعجزة هى "نعم" ممكن برغم العيشة واللى عايشينها؟!
والآن.. هل قابلت عزيزى القارئ أنت أيضاً صدفة ليست أبداً خيراً من ألف ميعاد نغصت عليك فرحة الفوز ؟!
وهل تسأل نفسك مثلى.. إلى متى؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة