د. هبة نازى

هل يمكن تلخيص هويتنا فى الكرة؟

الجمعة، 13 نوفمبر 2009 06:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لعل ما يلفت النظر فى مباراة مصر والجزائر هو ارتباطها الشديد بالهوية القومية. فالأمر الأول يتعلق بشعور المصريين القومى والفخر الكبير الذى يجب أى فخر قبله أو بعده إذا تأهل منتخبهم للمونديال.

الأمر الثانى هو توتر العلاقات بين الشعبين المصرى والجزائرى والذى شهدته صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون فى البلدين وعلى الإنترنت، ذلك التوتر القائم بالأساس على القومية المرتبطة بالكرة.

الأمر الثالث يرتبط بالاستخدام السياسى للعلاقة بين كرة القدم ومشاعرالانتماء والفخر القومى. فكم شعرنا بالأسى على أعضاء المنتخب القومى المصرى الذين يتحملون فوق طاقتهم ويتعرضون لضغوط ليس فقط من المستوى الشعبى الذى تلخصت كل وطنيته فى كرة القدم، بل ما زاد الأمر صعوبة أن الضغط يأتى من حكومة الحزب الوطنى التى تتعامل مع التأهل للمونديال باعتباره إنجاز المرحلة وكأنه القشة التى يتعلقون بها أمام شعب خيبوا آماله فى أغلب الأحيان. و هكذا أعطى الضوء الأخضر للإعلام كى يتمادى فى لعب دوره الجبار فى المبالغة والتضخيم فى العلاقة بين كرة القدم والهوية القومية.

وفى كل الأحوال دعونا نتخيل سيناريوهات ما بعد المباراة فإذا فزنا نتوقع بالطبع احتفالات خرافية فى شوارعنا وبين الصفوة التى راهنت على الفوز، وسوف تمتلئ شوارعنا بالألوان والألعاب النارية، وتنهال الجوائز بالملايين على لاعبى المنتخب وجهازهم الفنى. وتمتلئ الصحف بمانشيتات تمتدح شخصية المعلم القيادية الحاسمة وتدين والتزام المنتخب الوطني.

وتظهر قيادات الحزب والحكومة بمنتهى الفخر بإنجازهم الضخم ليكرموا المنتخب وهم فى أمان تام من أى انتقاد، فليس هذا مؤتمرا حزبيا يثير حفيظة الشارع، بل هى فرحة الكل. ومن ناحية أخرى تبدأ التعليقات والتساؤلات حول الأموال الطائلة التى تنفق على المنتخب وحول التركيز المبالغ فيه على كرة القدم. ولو لا قدر الله خسرنا المباراة فسوف يسود الغم والحزن الشارع المصرى وينقسم الرأى العام إلى فريقين فريق يسب المنتخب القومى وفريق يحاول جاهدا أن يعيد الشارع لتوازنه، ويدعو للترفق بالمنتخب ومدربه الذين طالما أسعدانا، وإننا لابد أن نحتفظ بهما فى حالة جيدة وندعمهم لاقتراب بطولة الأمم الأفريقية، تحت دعوى أن الفوز بتلك البطولة أفضل من مجرد شرف المشاركة فى المونديال دون تحقيق نتائج مشرفة.

وهكذا إذا فزنا ننشغل بالفرحة يومين وننتظر المباريات القادمة مع إننا نعرف جيدا أننا حتى لو تأهلنا فلا يمكن أن نحصل على كأس العالم على الأقل حاليا. وإن خسرنا فسوف نحزن يومين وننتظر مباراة المنتخب القادمة ونترقب بشغف كأس الأمم الأفريقية فى يناير2010 فى أنجولا لنعيش السيناريوهات نفسها مرة أخرى دون أى تغيير فى حياتنا. إنها كرة قدم خسرنا أم فزنا فنحن فى وضع بائس لابد ألا تصرفنا عنه رياضة حتى لو كانت كرة القدم صاحبة الشعبية الأولى فى العالم.

ولكن ما الحقيقة فى العلاقة بين الهوية وكرة القدم؟ الهوية هى ببساطة ثقافة وعادات ومصالح وتهديدات وأمنيات مشتركة وتاريخ واحد ولغة ودين واحد أحيانا، وإن كان العنصران الأخيران أقل أهمية مما سبقهما من عناصر، ولكى تتأكد الهوية لابد من وعى الشعب بها من ناحية، وأن يعرف بها أهلها من ناحية أخرى أى أن يميزهم الآخر بها، ولتدعيم هذا الوعى وتحفيزه وتوظيفه تعتمد الشعوب على القصص التاريخية والإنجازات الوطنية والمشروعات القومية والمواجهة أو على أقل تقدير المقارنة بين الأنا والآخر. وتتأكد الهوية القومية فى وجود الآخر، حيث يرسخ الاختلاف سمات الأنا وملامحها. ولو أن المواجهة بين الأنا والآخر كانت غير مكلفة كمباراة رياضية مثلا، ولو أن الكرة كانت الأكثر شعبية بين الرياضات، فيمكن استثمار كرة القدم بشكل آمن فى هذا الشأن. وتبقى الكرة مجرد أداة ضمن أدوات أخرى تحفز الهوية فإن كانت أقلهم أهمية هى أقلهم تكلفة. كما أننا لا ننكر أن الكرة يمكن أن يكون لها استخدام إيجابى فعال، فالبناء على شعبية الكرة يمكن أن يستغل فى الإصلاح الداخلى، بل قد تكون أداة من أدوات السياسة الخارجية، بدلا من أن تتحول لأداة لتغييب العقول!

وفى الغرب أحدثت المبالغة فى تشجيع الكرة والرياضة بشكل عام فى بعض الأحيان آثارا سلبية وصلت بالمشاعر القومية إلى درجات متطرفة، مما أدى إلى مشاهد عنف وتخريب. ويصبح التساؤل هنا هل يمكن أن نلخص وطنيتنا فى الكرة؟ وهل يمكن أن نكون مثل الغرب الذى حقق إنجازات تنموية ضخمة، بحيث نصبح من الرفاهية التى تسمح لنا بأن تكون الكرة شغلنا الشاغل؟ هل يمكن أن يصبح التأهل إنجازا؟ ومع ذلك فبرغم رفاهية الغرب كل شىء له حجمه، فالكرة كرة فى النهاية وتظل قضايا وهموم وتفوق الوطن فى الأمور الجادة، وليس فقط الترفيهية هى الأساس، وما دون ذلك فأمور ثانوية.

هل نسينا أن الوطنية هى أن نحب بلدنا فعلا وأن يشعر كل مواطن بمواطنه الذى تربطه به هوية مشتركة لابد إلا نتذكرها فقط فى المباريات؟ هل التلوث والقمامة والإهمال وعدم الدقة والحرفية فى جميع المجالات، وغياب المؤسسية وسيادة القانون فى أعمالنا وقطاعاتنا وتدهور التعليم وغياب الديمقراطية، وتغييب العقول هى أمور لا تمثل قضايا مصيرية، بحيث تستحق كل هذا الحماس والابتكار والإبداع والطاقة التى يبذلها مشجعو الكرة وأبواق الإعلام؟ نعم كل هذه الأمور تناقش، ولكنها لم ترقى أبدا لمرتبة المشروع القومى ولم ترتبط بالهوية القومية، كما يحدث فى كرة القدم. لماذا لا نتحمس بالطريقة نفسها لتحقيق تقدم يشهد به العالم فى حقوق الإنسان أو لوصول القاهرة للقب أنظف مدينة فى العالم أو على الأقل لتكون بين أكثر مئة مدينة نظيفة فى العالم، أو لدخول جامعة القاهرة فى ترتيب أفضل جامعات العالم؟ هل كل هذه الأمور لا تضاهى مشروع الكرة الذى ننام ونصحو فيه فعليا منذ عام 2006؟ لطالما كانت الكرة الأكثر شعبية فى مصر والعالم وليس هذا وليد السنوات القليلة الماضية، ولكن هل وصل بنا الأمر الى أن تصبح كرة القدم هى مشروعنا القومى؟! ماذا يعنى أن نتأهل؟ هل يعنى أن مشاكنا حلت أم يعكس تقدم وتنمية بلدنا؟ لو أن كل ما يبذل من مال وجهد وتنظيم ورعاية من القيادات كان يوجه للتعليم لكنا فى مكان آخر بين دول الشرق الأوسط على الأقل وليس دول العالم أجمع.

وأخيرا أود أن أقول إننا حتى لو تأهلنا للمونديال فلن يكون هذا مدعاة للفخر الوطنى ولا يصح أن يكون مسكنا لآلامنا كما يروج الإعلام فلابد أن نكون أنضج من ذلك، فحتى لو تأهلنا سوف يظل هناك الكثير من دواعى الخجل ولابد أن نفيق من هذا التغييب ونواجه أنفسنا، فربما ندرك يوما أن الكرة فى حد ذاتها يمكن أن تخدم مشروع إصلاح التعليم المصرى بدلا من أن تصرفنا الكرة عن كل شىء.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة