«كان صرحاً من خيال فهوى».. قبل خمسين عاما شدت كوكب الشرق أم كلثوم ابنة محافظة الدقهلية بهذا المقطع الغنائى فى رائعتها «الأطلال» التى لحنها ابن الدقهلية أيضاً الموسيقار رياض السنباطى، ويبدو أن كلا منهما كان يتنبأ بما سيحدث لمحافظتهما التى تحولت من محافظة الجمال والحب والمقاومة حيث نجح أبطالها فى هزيمة جيش لويس التاسع فى موقعه المنصورة الشهيرة، إلى محافظة أصبحت رقماً فى ملفات مباحث الأموال العامة ومكتب التحقيقات الفيدرالية، ولم يجد أبناؤها أمامهم إلا طريقين، إما الهجرة إلى إسرائيل أو الانخراط فى تنظيمات إرهابية وأصولية وشبكات للقرصنة الإلكترونية.. كما أنها أصبحت وكراً للتنظيمات الشيعية ونالت مراكبها نصيب الأسد من السفن التى يخطفها القراصنة الصوماليون.
هذا هو حال المحافظة الآن جريمة وإرهاب وسطو مسلح وقتل واغتصاب فالدقهلية التى يبلغ عدد سكانها حوالى 5 ملايين نسمة مما يجعلها من أكبر محافظات مصر سكاناً - عاصمة الجمال والفن والمقاومة بل أصبحت مفرخة للجريمة والإرهاب، وتصدرت أخبارها صفحات الحوادث محلياً وعالمياً، فلماذا تحولت الدقهلية من عنوان الجمال والمقاومة إلى عاصمة الإرهاب والسطو الإلكترونى وتصدير الشباب لإسرائيل؟
قبل مرور 6 أشهر على سقوط تنظيم «الزيتون» المتهم بتنفيذ هجوم مسلح على محل ذهب مملوك لأقباط وقتل 5 من العاملين فيه، وضمت قائمة الاتهامات عددا من أبناء قرية كوم الدربى بالمنصورة فى محافظة الدقهلية، ألقت مباحث أمن الدولة فى نفس المحافظة القبض على 19 شاباً كونوا فيما بينهم خلية إرهابية وكانوا يستعدون لتنفيذ عمليات ضد سائحين أجانب وإسرائيليين.
والمفاجأة أنه لا يوجد تنظيم أصولى ضبطته وزارة الداخلية مؤخراً إلا وضم فى قائمته شبابا من محافظة الدقهلية.
فإذا أضفنا إلى كل هذه التنظيمات الجهادية التى تعلن عنها وزارة الداخلية مابين الحين والآخر، التناقضات الدينية التى تجمعها الدقهلية، فالأمر لا يتعلق بتوجه دينى محدد أو معين، فبجانب مذهب أهل السنة وفقه الجهاد، هى أيضاً مفرخة لمشايخ السلفية مثل محمد حسان كما أن المذهب الوهابى يجد مكاناً فى العديد من مدنها خاصة بمدينة المنصورة، تجد فيها الشيعة ويقال إنها من كبرى المحافظات التى يتواجد فيها أصحاب المذهب الشيعى خاصة أن القطب الشيعى المعروف أحمد راسم النفيس يعمل بالأساس أستاذا جامعيا فى جامعة المنصورة واتخذ من الجامعة مقرا للترويج لمذهبه.
وسبق الإعلان عن تنظيم الجهاد الأخير فضيحة شبكة القرصنة الإلكترونية التى اتهم فيها شباب من المحافظة بالسطو على أموال البنوك الأمريكية.
وبعيداً عن الإرهاب والسطو الإلكترونى، تبقى الدقهلية إحدى أهم المحافظات التى يفضل شبابها السفر إلى إسرائيل هرباً من الفقر والبطالة كما يقول أبناؤها حتى لو وصموا بالتطبيع مع إسرائيل، والدليل أن أكثر من 90 % من الذين سافروا إلى تل أبيب من المصريين هم من أبناء قرى ومدن محافظة الدقهلية بحثاً عن العمل حتى لو كان على أرض العدو الذى اغتصب جزءا من وطنهم، ومات فى سبيل كفاح تحرير الأرض أحد أقاربهم أو ذويهم.
ورغم ذلك يصر شباب الدقهلية على إلقاء «نفسهم فى التهلكة» عبر الهجرة غير الشرعية، والنتيجة عودة العشرات منهم فى صناديق خشبية كما حدث فى قريتى «ميت زنقر» و«نوسا»، أو على الأقل غرقهم فى مياه البحر المتوسط أمام شواطئ اليونان، لكن لا الصناديق الخشبية التى تعود بالجثث، ولا وصمة السفر لإسرائيل حالت دون تعلق المزيد من شباب المحافظة بحلم السفر.
وفى النهاية لا نحتاج إلى إجابة عن التساؤل الرئيسى حول تغير ملامح المحافظة وتبدل حالها، إذا عرفت أن البطالة والأمية وصلت فى الدقهلية إلى أعلى نسبها، كما تقول الأرقام، فهى ثالث محافظة بعد القاهرة والبحيرة فى أعداد الأميين بواقع 60% من عدد سكانها، وفى البطالة كانت أوفر حظاً فنالت المرتبة الرابعة على مستوى الجمهورية، حيث تصل البطالة فيها إلى 80% وهو ما يضع شبابها أمام طريقين لا ثالث لهما إما الجريمة والتطرف أو الهروب للخارج.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة