أجرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية حوارا حصريًّا مع الرئيس السورى بشار الأسد فى إطار لقائه بالرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى يوم الجمعة فى باريس، وهى الزيارة الثانية التى يقوم بها الأسد لفرنسا فى أقل من ثمانية عشر شهرا. تحدث بشار الأسد فى هذا الحوار عن تحسن العلاقات السورية الفرنسية، فى الوقت الذى لم تتحسن فيه العلاقات بين دمشق وواشنطن بالقدر الكافى. كما تطرق للحديث عن عملية السلام وضرورة وضع الرئيس الأمريكى لخطة عمل واضحة بهذا الشأن. كما أكد الأسد على عدم وجود أى دليل على قيام إيران بتخصيب اليورانيوم لأهداف عسكرية.
وحول ما ينتظره الرئيس الأسد من العلاقات التى أصبحت اليوم ممتازة بين فرنسا وسوريا، يقول إن أوروبا لديها دور تلعبه فى الشرق الأوسط، وأنه ما من شك فى أن فرنسا كانت دوما تتمتع على مدار التاريخ بدور ريادى فى أوروبا. كما أنه من الواضح أن الرئيس ساركوزى عندما طرح خطته السياسية، تبعته فيها أوروبا بأكملها. وأكد قائلا: "بعد عام ونصف من استئناف العلاقات الطيبة بين فرنسا وسوريا، قمنا أولا ببناء مناخ من الثقة والآن أصبح بإمكاننا وضع رؤية أوضح للمستقبل".
وفى سؤال حول الدور الأمريكى فيما يتعلق بعملية السلام، وما يقوله الرئيس السورى من أن واشنطن لم تحقق سوى أشياء قليلة منذ انتخاب أوباما، يجيب الرئيس الأسد أنه من الطبيعى توقع الكثير من أى بلد تتمتع بأهمية كبيرة، لاسيما وأن الولايات المتحدة هى أكبر قوى فى العالم وتلعب دورا فى مختلف أنحائه. ولذلك فمن الطبيعى القول بأن الولايات المتحدة يمكنها أن تفعل أكثر بكثير من غيرها. وأول شىء كان يُنتظر من الإدارة الأمريكية الجديدة هى قضية السلام.
وعن رؤيته الخاصة بالعناصر اللازمة لكسر الجمود فى عملية التفاوض على السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يرى بشار الأسد أن عملية السلام بحاجة إلى أطراف يريدون السلام، وأيصا إلى رعاة أو وسطاء، مؤكدا أن سوريا من جانبها تريد السلام وأن هناك بالفعل مبادرة السلام العربية.
ولكنه يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة لا ترغب فى استئناف عملية التفاوض، فى الوقت الذى أعربت فيه سوريا مرارا عن رغبتها فى استئناف تلك المفاوضات. كما أن تركيا قد صرحت كذلك عن رغبتها فى لعب دور الوسيط فى تلك العملية. ولكن تبقى النقطة الضعيفة هى الجانب الأمريكى، الذى يتفق معه من حيث المبدأ فيما أعلنه بخصوص عملية السلام، ولكن المشكلة أنه لم يقدم خطة عمل لتحقيقها. لاسيما أنه يجب على راعى السلام أن يأخذ المبادرة، وليس البقاء سلبيا فى انتظار أن يتحرك الآخرون.
ويضيف الأسد: "ولأكون واضحا، نحن نعتقد أن المرجعية فى هذا الأمر هى اتفاقية مدريد، التى تستند على تنفيذ قرارات مجلس الأمن ومبدأ الأرض مقابل السلام. يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تعلن موافقتها على هذه المبادئ، التى من شأنها تنشيط عملية السلام".
وفيما يتعلق برأيه حول قرار محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، الخاص بعدم رغبته فى مواصلة مهام منصبه، يقول الرئيس السورى: "لدى علاقات جيدة مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس، على الرغم من أننا لا نتفق على كل النقاط، ولكننى أحترمه على الصعيد الشخصى. وأود القول بأن قراره كان قرارا شخصيا. وإذا حدث ذلك بالفعل، فأنا لا أعرف من سيحل محله.. لا أستطيع أن أقول إذا كنت آسفا على قراره هذا أم لا، فهو فى النهاية قراره. إذ ربما قد فكر أنه لم يستطع تحقيق ما كان يتمناه. ولكن فى النهاية تبقى رغبة الشعب الفلسطينى هى أهم شىء".
وحول ما إذا كان موضوع السفينة المحملة بالأسلحة والقادمة من إيران فى طريقها ربما إلى حزب الله، والتى استولت عليها إسرائيل، يشكل عقبة أمام السلام، يؤكد بشار الأسد أن تلك هى واحدة من الأكاذيب التى تروج لها إسرائيل، متسائلا ما هو الدليل على أن هذه الأسلحة كانت موجهة إلى حزب الله أو أى شخص آخر؟
ويضيف الأسد: "من المؤكد أن أى دولة لها الحق فى شراء الأسلحة، ومن ثم فإن وجهة تلك الأسلحة أمر يرجع للدولة ويخضع لسيادتها. والسؤال هو هل لإسرائيل الحق فى القيام بعمل القرصنة هذا فى قلب البحر الأبيض المتوسط؟ هل كلفت الأمم المتحدة إسرائيل للتصرف على مثل هذا النحو؟ إن المشكلة هو هذا التصرف الذى يتعارض مع القانون الدولى وليس محتويات سفينة الشحن.
فلو كان الحصول على الأسلحة أمرا محظورا على جميع دول المنطقة، فهل من حق إسرائيل التزود بحرية بالأسلحة من الولايات المتحدة وأوروبا؟ نحن نعتقد أن الأمر هنا يكيل بمكيالين. ولابد لى أن أقول أننا لا نملك أى معلومات حول وجود أسلحة على متن هذه السفينة. فأنا ببساطة أتكلم عن أساس الافتراضات التى نشرتها وسائل الإعلام، ولكننى لا أعرف إذا كانت صحيحة أم خاطئة".
وحول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية فى لبنان، يؤكد الأسد أنه قبل تشكيل الحكومة اللبنانية قد ذكر علنا فى مناسبات عدة عن دعمه لتشكيل حكومة وحدة وطنية فى لبنان. ولذلك فإن تشكيل هذه الحكومة يبدو أمرا مرضيا بالنسبة للبنان، حيث إنه يخلق الاستقرار فيها. وعندما لا يكون هناك انقسام فى لبنان، يصبح من الأسهل بالنسبة لبلد مثل سوريا إقامة علاقات طبيعية معها. ومن ثم فإن تشكيل حكومة وحدة وطنية يعنى تلقائيا تحسنا فى العلاقات اللبنانية السورية، بهدف تحقيق التطبيع بينهما.
وفيما يتعلق بموقفه كحليف لإيران وصديق للرئيس أحمدى نجاد، واعتقاده إذا كان ينبغى على طهران قبول العرض الأخير الذى قدمه الغرب القائم على حصول فرنسا وروسيا على اليورانيوم لتخصيبه والسماح ببناء النووى المدنى الإيرانى مقابل التخلى عن الأسلحة النووية، يشير الرئيس الأسد أنه، أولا، لا يوجد أى دليل على وجود مشروع عسكرى نووى إيرانى. وحتى على المستوى العلمى، فإن مستوى تخصيب اليورانيوم الذى وصلت إليه إيران لا يزال بعيدا عن المستوى المطلوب لتحقيق أغراض عسكرية. وثانيا، إن اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية تمنح الحق لأى دولة فى تخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية.
أما بالنسبة لاقتراح الغرب، يقول الرئيس السورى: "السؤال الذى يطرح نفسه هو ما الذى يضمن عودة هذا الوقود إلى إيران؟ لماذا لم يقترح الأوروبيون نقل اليورانيوم تدريجيا وليس دفعة واحدة كما يريدون؟ إن موقف إيران مرن، فلقد وافقت على نقل اليورانيوم على مراحل. فلماذا إذا يتحتم على إيران أن تقوم بهذه المخاطرة. بما أن الإيرانيين قد وافقوا على المبدأ، يجب على أوروبا والولايات المتحدة الكف عن المطالبة بنقل اليورانيوم دفعة واحدة".
وفى سؤال حول ما حققته سوريا على طريق الديمقراطية، وإذا كانت بعد على استعداد للإفراج عن السجناء السياسيين، يجيب الأسد أن الإفراج عن السجناء مسألة ترجع لاختصاص العدالة، وأنه يجوز للرئيس أن يمنح عفوا ولكن بعد قرار المحكمة، إذا اعترف الشخص بذنبه. وفيما يتعلق بطريق الديمقراطية، يؤكد الأسد أن دمشق قد قامت بتوسيع نطاق الحوار بعد التغلب على الكثير من الأزمات، مضيفا: "لا أستطيع أن أقول أننا نخطو خطوات سريعة، ولكننى أقول دوما إننا نتحرك ببطء ولكن بثبات".
بشار الأسد: عرضت السلام على إسرائيل لكنها غير جادة
الجمعة، 13 نوفمبر 2009 08:36 م
الرئيس السورى بشار الأسد
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة