تباينت الآراء حول جدوى المحاكم الاقتصادية بعد مرور عدة شهور على بدئها فى العمل، وكان الهدف منها تسهيل إجراءات التقاضى فى القضايا الاقتصادية التى تحتاج السرعة فى الحكم، حرصا على مصالح المستثمرين ورجال الأعمال، بالإضافة إلى جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية التى كان الخوف من صعوبة وطول مدة التقاضى فى مصر سببا رئيسيا فى هروب هذه الاستثمارات وتفضيلها أسواق أخرى.
البعض رأى أنه رغم قيام هذه المحاكم بدور جيد فى الكثير من القضايا الاقتصادية المهمة إلا أنها مازلت تحتاج إلى الكثير من الإصلاحات والسرعة فى الأداء، بالإضافة إلى اختيار قضاة متخصصين حتى تتمكن من أداء دورها على أكمل وجه.
فى حين يرى البعض الآخر أن هذه المحاكم لم تقم بدورها بالصورة التى تم الإعلان عنها، كما أنها ستتسبب فى تفتيت منظومة القضاء المصرى وتؤثر على استقلاليته.
المستشار أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض، رئيس لجنة تفعيل قرارات نادى القضاة أكد أنه ضد إنشاء قضاء خاص، مؤكدًا أن الاستثمار لن ينمو فى مصر إلا فى ظل قضاء مستقل، وقانون المحاكم الاقتصادية يشبه جدار الفصل العنصرى الذى ينتهى إلى تقسيم القضاء وتفتيته.
وطالب مكى بأن يتم إنشاء دوائر متخصصة وقضاة متخصصين، وإيجاد نظام يسهل العمل القضائى ويخدم استقامتها بدلا من إنشاء محاكم خاصة للاستثمار تمثل نوعا من الشذوذ عن المحاكم العادية فهى مجرد شكل فقط، وكان من الأفضل الاعتماد على المحاكم العادية مع إدخال بعض التعديلات البسيطة فقط عليها، ويرى مكى أن المحاكم الاقتصادية تمثل نموذجا لإهدار للمال العام، مشيرا إلى أنه تم صرف ملايين على إنشائها دون جدوى.
وأكد مكى أنه لا يليق بمكانة مصر ولا رجال القانون فيها أن تصدر قوانين تعدل اختصاص المحاكم أو إجراءات نظر الدعوى وحالات الطعن فى الأحكام ومواعيدها وتنفيذها، ولا تدرج فى مكانها الطبيعى فى تقنين المرافعات والإجراءات الجنائية، حيث يسهل على المواطنين والقضاة العمل بها وضبط حدود الاستثناء الوارد فيها، مشيرا أنه من المفترض ألا تكون هناك تجزئة وتفتيت للقضاء، مضيفًا أنه لم يجد دولةً فى العالم تسعى لتفتيت القضاء وتجزئته كما تفعل مصر.
ولكن كان من الأسهل عمل عدد كاف من الدوائر فى المحاكم الابتدائية والاستئنافية ومحكمة النقض، يشكل كل منها من قضاة متخصصين، تلقوا دراسات خاصة بالقضايا الاقتصادية، بحيث يتلاءم عدد الدوائر، مع كمية القضايا المطروحة، ويبقى القضاة جزءا من منظومة القضاء الحالى، بالإضافة لذلك رفع كفاءة القضاة وإعدادهم.
أما الدكتور عبد الرحمن عليان، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق بجامعة عين شمس، فيقول إنه لا توجد لدينا دراسات أو بيانات محددة، بحيث يمكن الحكم على كيفية تحقيق المحاكم الاقتصادية للهدف الذى أنشئت خصيصىً له وهو تشجيع الاستثمار الداخلى والخارجى من خلال جذب استثمارات إلى مصر نتيجة سرعة إجراءات التقاضى، ويشير عليان أن أهم عنصرين فى القضاء هما العدالة والسرعة، فالعدالة مع البطء لا تتحقق فالمحاكم الاقتصادية تحقق السرعة فى إنجاز القضايا، لأنها توفر عمليات فى إجراءات التقاضى التى كانت تحدث فى المحاكم العادية، ولكن هناك نقطة هامة يجب التركيز عليها وهى سرعة تنفيذ الأحكام فيمكن أن يصدر الحكم بسرعة، ولكن التنفيذ يتم ببطء نتيجة عرقلة بعض المسئولين تنفيذ هذا القرار، وكذلك عدم تحديد حد أقصى للمدة التى تستغرقها القضية فى المحاكم الاقتصادية، فيمكن أن تستغرق القضية أكثر من سنة والقاضى لا يلام فى هذا، لأنه لا يوجد ما يلزمه بإصدار حكم فى مدة معينة، وبالتالى يمكن أن ينتج عنه خسائر كبيرة للشاكى أو صاحب الحق فى القضية، لأن الأموال تقدر بقيمتها الشرائية التى يمكن أن تتغير من يوم لآخر فعند التباطؤ فى إصدار الأحكام تكون فقدت قيمتها.
وأضاف عليان: لكن بشكل عام هذه المحاكم أسرع من المحاكم العادية، لأنه لا يوجد عليها ضغط كباقى المحاكم وبالتالى الهيئة القضائية تكون سريعة ولديها وقت كاف، بالإضافة إلى عنصر التخصص فى القضية، وهذا عنصر هام جدا ويعتبر أهم ما يميز المحاكم الاقتصادية فهى قاصرة فقط على الخصومات التى تنشأ بين رجال الأعمال والمستثمرين فهى تمثل إضافة مهمة للتشريعات الحاكمة للنشاط الاقتصادى بصفة عامة والاستثمارى بصفة خاصة، ويعطى رسالة قوية للتجار والمستثمرين بأن ما كانوا يرونه عقبة أمامهم من تأخر الحسم السريع والعادل للمنازعات الاستثمارية والاقتصادية والتجارية ستعالجه محاكم متخصصة فى الشئون الاقتصادية يقوم على شئونها قضاة متخصصون ومؤهلون لحسم هذه المنازعات.
أما عن دكتورة إيمان محمد أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس: فترى أن المحاكم العادية لا يوجد بها كوادر اقتصادية متخصصة يمكن أن تدافع عن قضايا الاستثمار الداخلى والخارجى فى مصر، لذلك كان لابد من إنشاء المحاكم الاقتصادية التى طالما نادى بها أساتذة وخبراء الاقتصاد حتى يكون بها التخصص الذى ننشده، لأن القضاة فى المحاكم العادية ليسوا على دراية كافية بالتعاملات التجارية والاقتصادية فلا يمكنهم الحكم بشكل دقيق على القضايا التى تنشب بين المستثمرين ورجال الأعمال التى تكون بملايين الدولارات، فمشروع المحاكم الاقتصادية كان خطوة مطلوبة للمستثمرين منذ عدة سنوات، لأنها ستساهم فى القضاء على ظاهرة بطء التقاضى وهو أحد أهم العوامل المانعة لجذب الاستثمارات.
وتضيف أستاذ الاقتصاد أن السلبيات التى توجد بهذه المحاكم الاقتصادية فلا يمكنها أن تعرقل مسيرة المحاكم الاقتصادية، فمن السهل جدا إصلاحها فمثلا أحد العيوب التى تؤخذ عليها وتثير تخوف البعض عدم قدرة المواطن العادى على رفع دعاوى قضائية ضد محتكرى السوق، ولكن يمكن مع تعديل معين على بعض مواد تأسيس المحاكم يحدث، وستكون بالتالى حققت الهدف المنشود منها وهو تشجيع الاستثمار فيكون المستثمر على ثقة أن عندما يكون له حق سيأخذه بشكل دقيق وسريع، وذلك فى ظل ما تتمتع به هذه المحاكم من خبرة وتخصص شديد فى الجوانب الاقتصادية محل النزاع مع توافر الإتقان والجودة لقضايا مثل الضرائب والجمارك والتحكيم التجارى الدولى وغيرها من القضايا بين رجال الأعمال والمستثمرين.
ومن جانبه يؤكد دكتور محمود شعبان، أستاذ القانون بجامعة القاهرة والمحامى بالنقض: أن المشرع أصاب الصواب عند إصدار قانون المحاكم الاقتصادية التى بدأ العمل به فى 23 مايو 2008 التى تنظر فى الجنح والمخالفات التى تطرأ فى المجال الاقتصادى، فهى تمس كل القطاعات فى التعاملات التجارية فى مصر العادية منها وغير العادية فلم تعد المحاكم القائمة تفى بالغرض بدلا عن المحاكم الاقتصادية، لأن القانون يصدر وليد الحاجة له، فالقانون الذى كان يصلح فى زمان ما لا يمكن أن يكون صالحا للوقت الحالى فيوجد الآن تشعب وتداخل خطير فى العلاقات والمنازعات الاقتصادية التى كانت تكتظ وتختنق بسببها المحاكم العادية، مما يؤدى إلى خسائر بالملايين للمتضرر أو الشاكى، لذلك كانت المحاكم ضرورية لتتواكب مع هذا الوضع الجديد، مع وجود أشكال مستحدثة فى العلاقات التجارية مثل التوقيع الإلكترونى وغيره من المعاملات التى لم تعد مواد القانون الجنائى قادرة على تنظيمها فى الداخل والخارج بين دول العالم.
ويوضح شعبان أنه حتى الآن لا توجد سلبيات بالشكل الواضح يمكن أن تعرقل مسيرة هذه التجربة على الرغم من احتواء القانون على العديد من نقاط الضعف القانونى والدستورى، يأتى على رأسها نصه على عدم أحقية الشاكى فى اللجوء للنقض فى الأحكام الصادرة من الدوائر الابتدائية فى المحكمة الاقتصادية، إلا أن ذلك لا يمكن أن يؤخذ عليها بشكل كبير، لكن هناك بعض الآراء الهدامة التى تريد أن تصادر أو تحجر على أى تجربة جديدة فلم يعط فرصة للقانون أن يطبق، وتأتى ثماره وبعد ذلك يتم النظر للسلبيات ونحاول إصلاحها بدلا من الحجر على التجربة من أساسها.
البعض قال إنها تضر القضاء.. وآخرون أكدوا ضرورتها لتشجيع الاستثمار..
الخبراء: المحاكم الاقتصادية تحتاج الكثير من الإصلاحات
الجمعة، 13 نوفمبر 2009 09:01 م
وزير الاستثمار
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة