شريف حافظ

حب الوطن لا يختصر فى الكرة!

الخميس، 12 نوفمبر 2009 07:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فجأة تحولت مباراة كرة قدم، وإن كانت مصيرية إلى معركة حربية بين كثير من "بعض" من مواطنى شعبين! لم تصبح هكذا فقط من قبل الشباب الذى انتفض لبلاده، التى أثبت وبحق، أنه يحبها حباً جماً، وإن كان قد جاوز النُضج، ولكن من قبل الإعلام أيضاً. وعندما أسمع وأشاهد ما يحدث للإعداد لتلك المباراة وأقارن بينه وبين فشل الإعداد لمشاريع قدمها علماء بقامات الدكتور أحمد زويل والدكتور فاروق الباز، أجد شيزوفرنيا "وطنية" متأججة!! لقد كانت مصر دوماً وشعبها أيضاً، يرتفع فوق صغائر الأمور! فأغلب العرب تعرضوا لمصر، ومصر تُسامح، لأن هذا قدرها! فهى الأكبر فى المكانة، شاء من شاء وأبى من أبى! حتى إن الشعب المصرى يوصف بالطيب، لأنه سريع التسامح ونسيان الإساءة، بمجرد سماع الكلمة الطيبة بعد خلاف ولو عنيف! وليس هذا من منطلق إيمان منه بالعروبة ولكن بالتسامح بصفة عامة، لأن من يفعل هذا، كثير من الناس الذين لا تهمهم لا عروبة ولا غير عروبة، ناهيك بأن فكرة العروبة قد ماتت أساساً!

ويتكلم الإعلام حول أهمية أن يكون اللعيبة "رجالة" ولا أعرف ما تعنيه تلك الكلمة فى هذا السياق؟ يا أيها المسئولون عن الإعلام، نحن نتكلم عن مباراة كرة قدم، نتمنى أن نفوز بها، ولكن الرياضة مكسب وخسارة، ولا يمكن أن تروجوا للمعيارين معاً، وإلا أصبح هناك فجوة فيما تقولونه، ولم يصدقكم الناس، كما هو الحال بالفعل! فالرجولة ترتبط معنا بأشياء أخرى غير معايير الرياضة، أو هذا هو المفترض. ولا أجد دولة فى العالم المتقدم تطالب لاعبيها بأن يكونوا "رجالة" فى مباراة كرة قدم، ولكن أن يثبتوا مثلاً، أنهم الأفضل! فمعنى "الرجولة" هنا وفى هذا السياق، أن هؤلاء اللاعبين يتساوون مثلاً مع محاربى حرب أكتوبر أو ما شابه، وهو ما يبثه الإعلام بالفعل، رغم أنه شتان بالطبع!

وبالفعل، أصبح لاعب الكرة، مع كل الاحترام له، يُحمل فوق الأعناق، بينما عدد العلماء الذين يعرفهم رجل الشارع يعدون على أصابع الأيدى! وأعرف أن هذا متواجد فى العالم كله، ولكن وعن حق، نحن فى مصر وبالطبع الدول المتخلفة الأخرى، لديها عدد العلماء المعروفين للعامة، قليل للغاية، مقارنةً بلاعبى الكرة. وهى ظاهرة سيئة للغاية، وتقوم الدولة بإرسائها بقوة. ويتابع الناس أخبار لاعبى الكرة، بأكثر مما يتابعون الأحداث الجلل فى البلاد، لدرجة أن الكثيرين لا يعرفون حتى الآن الكثير الكثير عما يحدث فى هذا الوطن مقارنة بمشاكل فى ذيل قائمة أخبارنا ولديها علاقة بالكرة!

وقد صدرت أغنية جزائرية واحدة تسب إنجازات مصر بسبب خطأ أحد المذيعين "المصريين" غير المسئولين فى التعرض لدولة الجزائر التى نقيم معها علاقة ممتازة، على المستوى السياسى والاقتصادى، فاندفع الشباب المصرى فى الرد بأغانى حماسية للغاية، تذكر منجزات مصر ولا تقلل من منجزات الجزائر، وتتوعد فى الكرة ولكن بمنطق "أنها الحرب"! بينما ما نتكلم عنه هو مباراة كرة قدم، حيث كانت المباريات الرياضية هى أسلوب التقارب بين الدول، كما هو الحال فى السياسة التى أنتهجها الرئيس نيكسون فى التقارب الأمريكى مع الصين فى 1972، حيث ذهب لاعبو لعبة تنس الطاولة إلى الصين للعب، فيما عُرف "بسياسة البينج بونج"! فهل تصبح الرياضة لدينا مخالفة للمعايير العالمية؟

أليس تشجيع المنجزات الوطنية، حباً للوطن أيضاً؟ أليس تشجيع الصناعة المصرية والمنتج المصرى انعكاس رائع لحب الوطن؟ أليس إبداء الرأى حول القضايا المصيرية، عشقاً للوطن الذى يقوم بالكثير من الأعمال "ومن ضمنها" مباراة كرة القدم تلك؟ أليس الاهتمام بأوضاع أطفال الشوارع والمرأة والفقير واليتيم، تصوير واضح لحب الوطن؟ حب الوطن لا يمكن بحال من الأحوال اختصاره فى "مباراة كرة قدم"! حب الوطن أكبر بكثير من مجرد لعبة، مع احترامى الشديد ورغبتى الأكيدة فى الفوز يوم السبت 14 نوفمبر، ولكن..

نعم ولكن! حب الوطن نُضج! لا يعنى أن يقوم "بعض" الموتورين فى الجزائر، ممن ترفض الأغلبية فى دولة الجزائر فعلتهم، بسحب الجميع خلفهم، لإقامة معركة "تلاسن" بين شعبى البلدين، بسبب مباراة، مهما كانت نتيجتها! فهى لن تقيم مصنعاً يدر مرجوعاً لفقراء مصر أو الجزائر، أو المحتاجين بهما! إن الارتفاع فى حب الوطن ضمن أسس حب الأوطان. يجب أن نعلو فى حبه، بحيث نشارك فى صنعه على الأرض! إن عشق الوطن لا يعنى الهتاف والشعارات، فتلك المرحلة مرحلة مراهقة متأخرة، المُفترض أنها ولت إلى لا عودة، لأنها أتت لنا بالهزائم! إن التعبير عن الانتماء، يعنى الكثير، وليس مجرد تشجيع فريق كرة قدم أو كرة يد أو غير ذلك! ولا يعنى حب الوطن، بالتأكيد، إثارة النعرات أو تخويف ضيوف مصر أو إرهابهم، بينما نحن دولة سياحية بالأساس!

أتفهم الاندفاع وحماس الشباب فى حب مصر، ولكن أين دور الإعلام والمنابر التربوية!! هل من الطبيعى أن نسمع تصريحات اللاعبين والمسئولين مرادفة للشباب المتحمس؟؟؟!! ففى تصريحه الغريب قال اللاعب المبدع "فى الكرة" محمد زيدان عند وصوله مصر: "الجزائريون يحقدون على مصر، لأنها دولة متقدمة وتعتبر هوليود الشرق"، لم يتذكر اللاعب من كل منجزات مصر، إلا أنها "هوليوود الشرق"!! وتكلم وكأنه مصرح له بأن يتكلم عن دولة وشعب شقيق، هكذا، دون رقيب ولم يعلق الإعلام على كلماته، وما بها من شحن يمكنه أن يشوه الكثير ويؤثر فى النفسيات التى ستحيا بعد المباراة، ولن تمت! وإذاعات الرياضة، تعمل على بث "روح أكتوبر" فى الشعب المصرى، ولا ترى فى مصر، إلا "كرة القدم"!

أنا هنا أتكلم عن مصر التى لا تختصر فى شخص ولا تختصر فى منجز ولا تختصر فى لعبة! فنحن لسنا لعبة ولن نكون! مصر أكبر بكثير من مجرد كرة تركلها الأرجل! مصر المفترض أن تلعب كرة القدم، كرياضة تحتمل المكسب والخسارة ومن حقها أن تفرح من مكسب وتحزن من خسارة، ولكن لا يمكن أن تتوقف سمعة مصر على مباراة كرة قدم ولا أن تقوم الدينا ولا تقعد لأجل هذا فقط، فهناك الكثير الذى يُبدى على تلك المباراة.

أتمنى من الله أن نفوز بتلك المبارة، دون أن نحمل اللاعبين أكثر مما يستطيعون أن يتحملوا. وألا نجعلهم يدخلون تلك المباراة وهم يحملون مصر فوق أكتافهم، لأن هذا سيشكل ضغطا عصبيا كبيراً. وفى النهاية، نريد أن نرى حب هذا البلد وتشجيع كل أنشطته فى سبيل الفوز بالمباراة الأكبر الخاصة بالتنمية والتقدم والتعليم والقضاء على الجهل. نريد بلداً يشجعه كل أبنائه وبناته من أجل إنجاز للجميع بحيث نشجع جميعا مصر فى كل شىء! وأن نرحب بضيوف مصر وعلى رأسهم الجزائريين الذين سيحلون ضيوفاً علينا، بالحب لأن هذا المفترض أن يكون بلدهم الثانى. وأن ننظر إلى الأمر على أنه رياضة وأن نساعد على النضوج فى حب بلادنا وأن ندعو لمنتخبنا بالفوز دون أن نتوقع ما هو أكثر من اللازم، حتى لا نخلق إحباطا وطنيا لسنا بحاجة إليه.

وأدعو الله فى النهاية أن يكلل منتخب مصر بالفوز، وأن تكون المنافسة شريفة بين منتخبى مصر والجزائر دون أدنى استفزاز لأى من الفريقين، ولنخرج من الملعب وفى أعماق قلوبنا حباً لهذا البلد فى كل ما يسعى، لأن يكونه فى مستقبله الذى سنحدده جميعا معاً يوماً ما!





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة