إذا كنت تسمع أو تقرأ كثيراً عن آباء يتنكرون لأبنائهم، أو يختفون فجأة عن أسرهم، أو لا يبالون بمعنى كلمة أب ومقتضياتها، فستغير نظرتك هذه تماما إذا رأيت طارق علام الموظف بأحد المكاتب الهندسية، وعندها ستشعر أن الأبوة مازالت بخير.
6 سنوات، تساوى 72 شهراً، قضاها طارق الذى يحب أن يناديه الناس بـ«أبو إسراء» حاملاً إسراء على كتفيه منذ أن ولدت وحتى الآن. وهو يراها نور حياته رغم أنها ولدت لا ترى أى شىء أو أى شخص سوى أنها تستطيع تمييز النور من الظلام.
قرابة من بعيد ليس لها علاقة بـ«العصب» كما يقول طارق جمعت بينه وبين زوجته داليا وأثمر الزواج عن طفلة جميلة أسموها «إسراء».
عن قصة السنوات الست يقول طارق: «أنا نفسى يقطعوا من لحمى، ياخدوا عينى ويحطوها مكان عينين إسراء بس تشوف ومتحتاجش لحد، من عمر 3 شهور مشينا ورا التأمين الصحى واتبهدلنا من غير نتيجة، ذهبت بها إلى كل مكان، مركز بحوث الرمد، مستشفى نور العيون، المغربى، أطباء اختصاصيين، وفى فبراير 2007 سمعت عن زيارة سيقوم بها برفيسور أمريكى لمركز عيون فى الكويت، اتصرفت فى 20 ألف جنيه وحجزت لمراتى وبنتى وسفرتهم على أول طيارة ممكن يلحقوا بيها البروفيسور، واتضح أنه يوجد معهد فى أمريكا يمكنه زرع شبكية لعلاج حالة إسراء لأن عندها خللا فى الشبكية، وعندما عادت أم إسراء إلى مصر ذهبنا إلى د.إيهاب سعد استشارى طب العيون ونصحنا بعدم زرع شبكية لإسراء لأن ده معناه أنها ستحتاج إلى الزرع كل فترة، وشخص حالة إسراء على أنها تعانى من ضمور بخلايا الشبكية الضوئية (مرض ليبر)، مما أدى إلى فقد الإبصار فلا تبصر إلا الضوء فقط، وأنها تحتاج إلى تحليل وراثى للمرض لمعرفة الجين المسبب، وعندما سألته عن تكلفة التحليل أخبرنى أن الرقم التقريبى هو ألف دولار أمريكى يعنى حوالى 6 آلاف جنيه، وبالطبع زاد الآن لأن هذا الكلام كان فى 2007».
طارق لا يكتفى باللف والدوران على الأطباء ومطاردتهم داخل مصر وخارجها، متكبداً المشقة المالية والمعنوية فحسب، وإنما يجلس ساعات طوال أمام الإنترنت كما يقول، يجمع المعلومات حول المرض، والعلاج الجينى، والأماكن التى يوجد بها، وكلما مر من مكان ووجد لعبة مميزة اشتراها لإسراء حتى ملأ حجرتها عن آخرها باللعب، يقول: «أنا صعبان على بنتى إسراء بتركب العجلة فى البيت وبتسوقها ومش بتتخبط ولا بتقع كأنها شايفة بالظبط، نفسى تشوف وتقدر تنزل تلعب بالعجلة فى الشارع من غير ما تتخبط، ونفسى أخلف طفل تانى يبقى لها أخ أو أخت، لكن خايف أخلف طفل عنده نفس الحالة تانى وبدل ما يبقوا واحد يبقوا اتنين، وطبعا أنا ووالدتها محتاجين نعمل تحاليل الأول، لكن ده موال تانى كبير وقررنا نأجله لحد ما نطمن على إسراء الأول، أنا مش ح أسلم إن بنتى عميت خلاص، لأن فى علاج، ونفسى آخد فرصة لعلاج البنت».
وهنا تقول زوجته داليا: «احنا دخلناها مدرسة النور الخاصة للمكفوفين، وبتطلع الأولى على فصلها فى الروضة، هى فعلا موهوبة وذكية بشهادة المدرسين، واحنا بنعمل لها كل 6 شهور أشعة بالصبغة والكام على العصب البصرى علشان نطمن على عدم تدهور حالتها، وده بيكلفنا 8400 جنيه فى السنة، لكن العبء المالى بقى كبير علينا لدرجة محدش يقدر يستحملها»، وهنا يقطع الأب حديثها قائلاً: «البنت مش عامية، صدقونى، اقطعوا من لحمى، خدوا عينيى وحطوها مكان عينين إسراء بس تشوف ومتحتاجش لحد».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة