يسرى فودة

شُحنة الغِلّ

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009 07:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
خرج مع زميلين له من المارينز بعد أحداث 11 سبتمبر إلى أحد الأماكن العامة بأزيائهم العسكرية، عندما اقتربت منهم سيدة ارتسمت على وجهها ابتسامة امتنان: «أريد فقط أن أشكركم على ما تقومون به من خدمة لوطنكم خاصةً فى مثل هذا الوقت». ثم توجهت بسؤال إلى جمال بعدانى الذى كان ولد فى مصر لأبوين من اليمن قبل الهجرة إلى أمريكا: «من أين أنت أصلاً؟» وعندما أجابها بأنه من مصر، اكفهر وجهها وقالت له على الفور: «أنت إرهابى».

فى بداية التسعينيات كان عدد المسلمين المجندين فى صفوف الجيش الأمريكى لا يتعدى 2500، لكنه اليوم يقترب من 15 ألفاً وفق إحدى الإحصائيات. كان من بينهم حتى مساء الخميس الماضى ضابط أمريكى برتبة رائد، اسمه نضال حسن، نزح أبواه الفلسطينيان من قرية قرب القدس. ورغم أن المحققين فى أمريكا لا يزالون يفتشون وراء الأسباب التى يمكن لها أن تكون قد قادته إلى أن يفتح النار بصورة عشوائية على زملائه فى كبرى القواعد العسكرية فى تكساس، فإن عطش الناس إلى المعلومات بدأ يدفع الإعلام الأمريكى إلى النبش فى مختلف الاحتمالات.

ويبدو أن دخاناً كثيفاً كان قد تجمع فى صدر نضال حسن وأمام عينيه، حتى صار غِلاَّ تغلبت فيه غيرته على ما رأى أن دينه يفرضه عليه أمام ولائه لوطنه الذى ولد فيه، وإخلاصه للثقة التى وُضعت فيه. يقول بعض من عرفوه، إنه كان دائم الانتقاد لما يحدث فى العراق وأفغانستان، غير أن أقوى مؤشر حتى الآن، هو أنه كان مصراً على ترك الخدمة العسكرية عندما علم بإدراج اسمه للسفر إلى أفغانستان يوم 28 نوفمبر القادم قائلاً، إن القرآن «يدعونا إلى ألا نتخذ من اليهود أولياء، وأن من يحارب المسلمين منا جزاؤه جهنم».

وقد قوبل طلبه بالرفض لكنّ «غِلاًّ» عاطفياً كهذا لا يرقى فى ظننا إلى نوع الغِل المحسوب الذى مارسه نافذون فى أمريكا فى أعقاب الحادى عشر من سبتمبر، وعلى رأسهم جورج بوش الصغير. الأمثلة لا تعد ولا تحصى لكننا سنتذكر مثالاً واحداً مكوناً من أربعة مشاهد وامضة.

المشهد الأول: نهار/خارجى، 14 سبتمبر 2001، بوش يقف فى المكان الذى كان واقفاً فيه حتى ثلاثة أيام خلت، برج التجارة العالمى فى مانهاتن، واضعاً يده اليسرى على كتف رجل عجوز يرتدى خوذة عمال الإنقاذ، مقرباً بيده اليمنى بوقاً إلى فمه، هاتفاً فيمن تجمعوا فى الموقع: «أنا أسمعكم، والعالم كله يسمعكم، وأولئك الذين دمروا هذه الأبنية سيسمعوننا قريباً».

المشهد الثانى: نهار/خارجى، 7 أكتوبر 2001، رجل أفغانى لا يبين وجهه من التراب، يخرج بصعوبة من بين الأنقاض حاملاً بين يديه ما يبدو أشلاء طفل، لم يصمد أمام قذيفة أمريكية ربما يعادل ثمنها ميزانية بلاده كلها لخمس سنوات. المشهد الثالث: ليل/خارجى، 21 مارس 2003، صورة عامة لبغداد على الهواء مباشرة، يصحبها صوت مراسل قناة الجزيرة، ديار العمرى، عندما يتحول ليل مدينة الرشيد فجأة إلى نهار ساطع، ثم صوت عدنان الشريف فى استوديو الدوحة: «ديار! أين أنت يا ديار؟ ديار.. ديار».

المشهد الرابع: نهار/داخلى، 5 يونيو 2003، جمع غفير من القوات الأمريكية داخل قاعدة السيلية فى قطر، عندما يدخل عليهم رئيسهم، بوش الصغير، مرتدياً قميصاً صيفياً مشمراً عن ساعديه. وسط تصفيق حاد يتقدم الرئيس، فيشد على ساعد قائد قواته، توم فرانكس، ثم وقد سيطرت فجأة على وجهه ابتسامة مقززة، تكاد تنفجر خبثاً وغروراً وبلاهةً، فى الوقت نفسه يهتف بأعلى صوته فى جنوده: «هل تسمعوننى الآن؟»








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة