دراسة لباحثة مصرية بجامعة "اريفورت" الألمانية: وسائل الإعلام المصرية أفرطت والألمانية فرطت فى تغطية قضية مروة الشربينى

الأحد، 01 نوفمبر 2009 02:02 م
دراسة لباحثة مصرية بجامعة "اريفورت" الألمانية: وسائل الإعلام المصرية أفرطت والألمانية فرطت فى تغطية قضية مروة الشربينى مروة الشربينى
كتب محمد ثروت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كشفت دراسة علمية للباحثة المصرية د.حنان بدر بجامعة "اريفورت" الألمانية أن التغطية التى قامت بها وسائل الإعلام الألمانية والمصرية لحادثة مقتل مروة الشربينى كانت ناتجة عن نقص فى التفاهم المتبادل والجهل، وقصور فى الفهم الثقافى المتبادل بين كلا البلدين على حد سواء.

وأوضحت الدراسة أن وسائل الإعلام لم تكن قادرة على اتخاذ مواقف متوازنة دون أن تقع فى خطأ جسيم، ولهذا أخفقت مرة ثانية فى أن تكون جسراً للوصول إلى حل للصراع، لذا كانت واقعة مروة الشربينى فى حاجة ماسة إلى الفهم الثقافى بين البلدين، لكن يبدو أن المسئولين عن الإعلام يفتقدون إلى مثل هذه الحساسية، علاوة على ذلك فإن هذه الواقعة تدل على الحاجة الماسة إلى إصلاح هياكل النظام الإعلامى على مستوى العالم أجمع.

وأشارت الدراسة التى نشرها موقع قنطرة التابع للخارجية الألمانية، إلى أن هناك انطباعات سلبية حول موضوع الإسلام أو المسلمين فى مضامين الإعلام الغربى، وهناك العديد من الأمثلة التى تثبت ذلك من الناحية العلمية.

فغالباً ما تكون البنية الأساسية للتغطية الإعلامية فى ألمانيا للإسلام كموضوع مطروح للنقاش مشوهة ومقرونة بالعنف، ولا تلعب المعايير التقليدية والأمور الحياتية للإسلام فيها إلا دورًا ثانويًا، وهذا الإدراك الخاطئ يؤدى إلى انتشار صورة عدائية عن الإسلام ومصنوعة إعلامياً فى الرأى العام.

فإذا وضعنا فى الاعتبار المعالم الأساسية والظروف العامة للإعلام الألمانى فسوف نجد أن التغطية الإعلامية لهذه الواقعة اكتسبت بصمات التركيز على السياسة والصراع والأزمة، إضافة إلى التشخيص، مشيرة إلى أن الفقرة العاشرة من قانون الصحافة تنص على وجوب احترام الأديان والعقائد والأخلاقيات، ويقول سياق الفقرة: "على الصحافة أن تتخلى عن الإساءة إلى المعتقدات الدينية أو العقائدية أو الأخلاقية".

لكن بدلاً من التأكيد على الاحترام وبذل الجهد الكافى فى عدم الخلط بين الأشياء يجد المرء كمّا من الاتهامات، مثل الإرهاب والعنف والقهر، وتسود التغطية الإعلامية المتعلقة بالإسلام فى كثير من وسائل الإعلام.

وتشير الدراسة إلى أن نتائج استطلاع الرأى الذى أجراه معهد "ألنسباخ" ونُشر عام 2006 تقول بأن 91 بالمائة من الألمان الذين وُجهت إليهم الأسئلة يرون أن الإسلام يرتبط فى الأذهان بظلم المرأة، وأن 83 بالمائة منهم يرون أن الإسلام ديانة تتسم بطابع التعصب، ولأن وسائل الإعلام هى المصدر الرئيسى لهذا التصور الخاطئ للإسلام فلا يمكن لها أن تتملص من مسئوليتها غير المباشرة عن مقتل مروة الشربينى.

كما أنه من المحتمل جدا أن القاتل "ألكسندر ف" لم تكن لديه أى علاقات مباشرة مع المسلمين، وأنه استقى صورته عن الإسلام من وسائل الإعلام على وجه الخصوص، إضافة إلى ميوله اليمينية المتشددة.

وأوضحت الدراسة أن الموقف المغرق فى السلبية ووقاحة الجانى تجاه الإسلام تنعكس فى تصرفاته مع ضحيته، ففى المواجهة المباشرة قام بسبّ الشابة المسلمة أولاً، وفيما بعد اعتدى عليها بالقوة وفى النهاية قتلها فى إحدى قاعات محكمة مدينة "دريسدن".

وكما أن الرأى العام الألمانى مُستاء– وله الحق فى ذلك - من المصطلح الإعلامى "ألمانيا المعادية للإسلام"، لأن المرء لا يحق له التعميم بأن المجتمع كله "معادٍ للإسلام"، استنادا إلى بعض الأصوات الفردية، فإن المجتمع المسلم مُستاء منذ سنين من بعض العبارات الإعلامية مثل "الإرهاب الإسلاموى".

وساعد على تزايد مثل هذه الأوصاف السيئة - أخيرا وليس آخرا – خطابات "جورج دبليو بوش" البلاغية المتباينة و"حربه المزعومة على الإرهاب"، ومن ثم تسربت بشدة من أوساط السياسة إلى المجال الإعلامى.

وتطرح الدراسة سؤالا عن أسباب فشل وسائل الإعلام فى إجراء مناقشة منطقية حول هذه الواقعة المؤلمة. كما أن تفسير النتيجة كان متسماً بالعجز الواضح فى وسائل الإعلام الألمانية والمصرية على حد سواء، بيد أنه طبقا لمعايير الأخلاق الإعلامية ينبغى على وسائل الإعلام أن تساعد فى القضاء على الصراعات وعدم تأجيجها.

ولكن حدث العكس من ذلك، فقد بالغت وسائل الإعلام المصرية من ناحية وتهاونت وسائل الإعلام الألمانية من ناحية أخرى فى طرح الواقعة، ذلك لأن الواقع الإعلامى المتباعد الأطراف يفتقد إلى العقلانية والتفاهم الثقافى على الجانبين.

ويرى الكثير من المسلمين فى قتل الشربينى فى إحدى المحاكم الألمانية انتهاكا بالغا لحقوق الإنسان فى مجتمع ديمقراطى غربى دأب على احترام حقوق الإنسان.

إن العجز فى الكفاءة الثقافية ينتج فى بعض الحالات عن الاستهتار بثقافة الآخر وعدم احترامه، ووسائل الإعلام على وجه الخصوص هى نفسها التى مازالت تقوى النماذج المتباينة لـ"صراع الحضارات" من خلال تغطياتها الإعلامية.

وترى الباحثة أن واقعة مروة الشربينى يسودها تعارض ثقافى فى تلقّى واقعة القتل لدى المجتمعيْن، ففى مصر يعتبر مقتل مروة الشربينى داخل قاعة محكمة ألمانية انتهاكا بالغا لحقوق الإنسان فى مجتمع ديمقراطى غربى دأب على احترام حقوق الإنسان. كما أن حضور القاضى الذى يمثل القضاء الألمانى أدى إلى تقوية الشعور بالصدمة وزاد من الاستياء، أضف إلى ذلك الطلقة النارية الخاطئة التى أطلقها الشرطى على زوج مروة أثناء محاولته إنقاذ زوجته.

علاوة على ذلك تدور شائعة فى وسائل الإعلام المصرية أن هناك حزبا ألمانيا يتكفل بدفع تكاليف محامى "ألكسندر ف"، كما تجاهلت وسائل الإعلام المصرية الإشارة إلى أن المسلمين من مختلف الجنسيات ليسوا فقط المستهدفين لدى المتطرفين اليمينيين الألمان، ولكن أيضا أجانب من آسيا وإفريقيا ذوى ديانات أخرى، وكذلك يهود ومواطنين ألمان يبذلون ما فى وُسعهم من أجل التفاهم بين العرقيات المختلفة أو المجموعات غير المندمجة فى المجتمع، كما أن المواطن المصرى العادى لا يكاد يعلم شيئا عن العديد من الجهود السياسية والمبادرات التى تقوم بها المنظمات الألمانية ضد اليمين المتطرف.

إن صورة الآخر كعدو لا يمكن لها أن توجد إلا إذا رُسمت، ذلك لأنها فى النهاية صورة وليس من الضرورة أن تنطبق على الواقع على أى حال. ولا تعنى هذه الصورة أن الآخر عدو بالفعل، وبناءً على هذا كان رد فعل وسائل الإعلام المصرية على "البعبع الإسلامى" فى وسائل الإعلام الغربية بـ"البعبع الغربى".

وانطلاقاً من ذلك حاول المرء أن يلصق لقاتل مروة الشربينى صفة الإرهاب فى وسائل الإعلام العربية والمظاهرات التى جابت الدول العربية، كما أن الاستعمال غير الدقيق والمبالغ فيه لمصطلح "الإرهاب" فى الخطاب العربى فى هذا السياق ليس سوى رد فعل على الاستعمال الغربى للمصطلح نفسه، فيما يتعلق بأتباع الديانة الإسلامية.

ويتوقع المواطنون المصريون والقيادة السياسية أن تسفر المحكمة عن إنزال أقصى عقوبة وبأسرع وقت بحق الجانى، فالتغطية الإعلامية المشوبة بالنقص على الجانب المصرى لا تكفى للتعبئة الجماهيرية، إلا إذا كان الجو العام فى البلاد العربية تربة خصبة لذلك. كما أن التغطية الإعلامية العاطفية والشعبوية عن ضحايا ساسة الغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، تتسبب على كل الأحوال فى خلق جو عام مشحون معادٍ للغرب.

ومن بينها ضحايا المدنيين الذين يعانون فى فلسطين والعراق وأفغانستان التى أصبحت جزءاً أساسيا فى التغطية الإعلامية اليومية عن البلاد الأجنبية فى وسائل الإعلام العربية. أضف إلى ذلك تعليقات الساسة الغربيين ومعالجاتهم غير الواضحة وغير اللبقة التى تؤدى إلى خلق صورة عن "تحصن أوروبى خوفاً من الإسلام"، وأشهر مثالين على ذلك الجدل حول الرسوم الكاريكاتورية وحظر لبس الحجاب.

إن الواقع المصنوع إعلامياً حول "الصراعات البين ثقافية" يُفهم من قِبل كثير من المسلمين على أنه تدخل فى الحرية الشخصية فى التعبير هويتهم داخل أوروبا المتعددة الثقافات، وفى أثناء ذلك أصبح التحول من التعدد الثقافى إلى الاندماج أحادى الجانب موضوعاً مطروحاً للنقاش فى الأوساط العلمية.

لا أحد يمكن أن ينكر العلاقات الجيدة مبدئياً بين مصر وألمانيا، خاصة فى مجال العلوم والثقافة، وأن التعايش الحياتى بين الألمان والأجانب يقوم بشكل أفضل مما يُعتقد عموماً وما تروج له وسائل الإعلام.

إن العارفين بألمانيا فى مصر يتوقعون حُكما عادلا فى قضية مروة الشربينى ونهاية تدريجية لهذا الاستياء، وبالرغم من ذلك فمن الصعب إعادة الجماهير إلى رشدها فى مثل هذا الجو المشحون حالياً.

هل يعنى ذلك أن مبالغة الجانب المصرى هى التى أدت إلى تفاقم الموقف؟ لا، لأن الأثر الرمزى لأفعال الساسة الألمان هو الذى أصبح ذات أهمية فى هذه اللحظة وأيقظ الآمال الكبيرة فى مصر، فلقد أُقيم فى ألمانيا حفلا تأبين لمروة الشربينيى، أولاهما فى برلين، وبعدها بعشرة أيام أُقيمت الأخرى فى "دريسدن، وحضرهما ساسة ألمان وبثهما التلفاز الألمانى، ولكن تأخير التأبين هذه الأيام يبرز تردد وحيرة السياسة الألمانية، ففى العشرة أيام الواقعة بين حفلى التأبين بلغ استياء الرأى العام المصرى والمسلم أقصاه لدرجة أن بعض المصريين تكوّن لديهم شعور أن حفل التأبين الثانى ليست إلا من قبيل أنشطة العلاقات العامة فى إدارة الأزمات.

علاوة على ذلك تساءلت وسائل الإعلام المصرية عن مدى سرعة ردود فعل السلطات الألمانية لو كانت المرأة المقتولة وزوجها الجريح وطفلها المصدوم من جنسية أخرى قريبة من المجتمع الألمانى ثقافياً وجغرافياً، وعلى الرغم من أن هذه المأساة أدت إلى حدوث ارتياع واضطراب داخل المجتمع الألمانى إلا أنها لم تكن مرتبطة عاطفياً مع الضحايا إلى حد كبير.

إن تباطؤ التغطية الإعلامية وترددها فى ألمانيا اعتبرها المسلمون أيضاً نوعا من التمييز العنصرى، هكذا كانت واقعة مقتل مروة الشربينى واحدة من الحالات القليلة التى أثارت فيها الانعكاسات غير المعلنة مشاعر العجز والتمييز العنصرى بين المسلمين أكثر من التصريحات المعلنة.

وهناك مسألة أخرى تتعلق بالجانب الاقتصادى الإعلامى البحت، ألا وهى أن المشهد الإعلامى الذى تغلب عليه روح التنافس والربح تميل فيه وسائل الإعلام إلى المبالغة والتنميق الدرامى وإلهاب المشاعر.

وفى أثناء ذلك يمكن أن يكتشف المرء بسهولة ميول وسائل الإعلام الجادة إلى التبهرج فى العرض. لهذا وبناءً على هذه الخلفية فإن المرء يتساءل عن سبب ضآلة اهتمام غالبية وسائل الإعلام الألمانية بقصة مروة الشربينى من البداية، على الرغم من أنها تصلح لأن تكون "قصة مفيدة إنسانياً" تكتسح الأسواق.

وترى الباحثة فى النهاية أنه فى هذه الواقعة لم تظهر أبدا التفاصيل الدرامية التى عادة ما يقرؤها المرء فى حالات ضحايا جرائم الشرف، منها أن مروة الشربينى كانت تلعب ضمن المنتخب المصرى لكرة اليد، وأنها رمت بنفسها على ولدها البالغ من العمر ثلاث سنوات فى قاعة المحكمة لكى تحميه، وأنها كانت تتوق إلى العودة لمصر بعد انتهاء زوجها من الدراسة.

والدة قاتل مروة: ابنى لم يعد راغبا فى الحياة
دراسة لباحثة مصرية بجامعة "اريفورت" الألمانية: وسائل الإعلام المصرية أفرطت والألمانية فرطت فى تغطية قضية مروة الشربينى
"أليكس" أرسل خطاب تهديد مسبق بقتل "مروة"






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة