يسعى الإنسان دائما وأبدا إلى التطور والتحول محاولا اكتساب عناصر جديدة وعديدة، وهذه هى طبيعة الحياة التغيير والتطور، وفى الماضى دافع الأنبياء والعلماء والفلاسفة وغيرهم الكثير عن آرائهم ومعتقداتهم التى يؤمنون بها، ولاقوا العديد من الصعاب والمشاق التى وصلت إلى الاستشهاد والاتهام بالكفر والإلحاد، سقراط يشرب السم راضيا مدافعا عن آرائه وفلسفته وما يؤمن به، وعقدوا له مجلسا مؤلفا من 500 قاض لمحاكمته، وقد دافع سقراط عن الحرية دفاعا مجيدا قال سقراط.
ليس على الأرض إنسان له الحق فى أن يملى على الآخر ما يجب أن يؤمن به أو يحرمه من حق التفكير، ومادام الإنسان على وفاق مع ضميره فإنه يستطيع أن يستغنى عن رضا أصدقائه وأن يستغنى عن المال وعن العائلة وعن البيت.
ولكن بما أنه لا يمكن لأى إنسان أن يصل إلى نتائج صحيحة بدون أنه يفحص المسائل ما لها وما عليها فحصا تاما، فإنه يجب أن يترك الناس أحرارا لهم الحرية التامة فى مناقشه جميع المسائل، وكانت حجج سقراط فى دفاعه عن نفسه وردة تهمه الكفر التى اتهمه بها قومه وقد خاطبه المجلس فى الكف عن تعليم تلاميذه، بحيث إذا وعد وعدا صادقا بذلك فإن المجلس يعفو عنه فكأن جوابه لهم "كلا ما دام ضميرى هذا الصوت الهادئ الصغير فى قلبى يأمرنى أن أسير وأعلم الناس طريق العقل الصحيح فإنى سائر إلى تعليم الناس، وأصرح لهم بما فى عقلى بدون اعتبار للنتائج ولم يكن بعد ذلك إلا الأمر بقتله فقتل وتجرع السم بين تلاميذه وكأن دفاعه الأخير.
إنكم مخطئون إذا ظننتم أنكم بقتلكم الناس ستمنعون أى ناقد من كشف شروركم لا ليس أيسر الطرق وأشرفها أن تكمموا الأفواه بل إن تصلحوا أنفسكم وتقيموا الميزان بالقسط ولا حرية للفكر إلا بالبوح به وإعلانه، فطالما أن الفكر حبيس الذهن لم يخرج بعد إلى الناس ولم يعلن عنه فلا يكون حرا.
وأن معظم الذين باحوا بما فى صدورهم مما اعتقدوا حقيقة علمية أو فلسفية ودينية نالوا من الاضطهاد بالتعذيب أو الحبس أو القتل وأول قيد على حرية الفكر هى العادات والتقاليد القديمة الباليه أو التى انقلبت على مر التاريخ إلى محرمات (تابو) وغالبا ما تقوم السلطة الحاكمة بتقييد حرية الفكر خوفا على مصالحها فإذا ألغت عقوبة الحبس أو السجن لجريمة ما فى قانون ما استخدمت قوانين أخرى تحت مسميات أخرى للعقاب فالعقوبات ليست قاصرة فقط على قانون العقوبات بوصفه قانونا عاما إنما هناك العديد من العقوبات وردت فى القوانين الخاصة والتى بطبيعتها تقيد العام.
وعندما قامت الثورة الفرنسية لم تكتف بشعار الحرية والإخاء والمساواة كانت مدركة أن ما نزل بالمجتمع من المصائب والشقاء وإفساد الحكومات ترجع إلى سبب واحد هو الجهل بحقوق الإنسان أو تجاهلها أو العبث بها وأصدرت الثورة الفرنسية الإعلان العام لحقوق الإنسان، وقررت أنها حقوق مقدسه لا يصح أن تمتد إليها يد العبث والمساومة ومنها.
وفى حرية الرأى والفكر بقول جون ستيوارت ميل ((فى كتابه حوا الحرية - ليس من حق هيئه تشريعية أو تنفيذية أن تفرض على الناس اعتناق رأى لا يرتضونه أو توجب عليهم الإيمان بمعتقد لا يرونه والحكومة الدستورية تنفذ إرادة الشعب ولا تقاوم رغباته ولا يجوز فى منطق الحرية إسكات معارض ولو انتهى إلى إبطال رأى أجمع الناس على صوابه.
ويقول طوم بين (كل حكومة وراثية هى بطبيعتها حكومة استبدادية) وفى مصر وفى مجال الحرية يخطب زعيم ثورة 19 سعد زغلول فى جموع طلاب الأزهر الذين احتشدوا بأمر من مشايخهم مهاجمين كتاب فى الشعر الجاهلى للدكتور طه حسين فقال (هبوا مجنونا يعرف القول) تبقى فى النهاية المشكلة الحقيقية وهى أزمة العلاقة بين الفرد والسلطة وفى مصر مازلنا أمام الذين يقفون ضد حرية الرأى والفكر، ويخرج علينا أحد المحامين بدعوى جديدة من الدعاوى الظلامية التى لا هدف لها إلا التشهير وترهيب المفكرين والوقوف أمام كل رأى حر.
عادل ميشيل يكتب: حرية الفكر و" كابوس" الدعاوى الظلامية
الخميس، 08 أكتوبر 2009 10:40 ص