حامد عبد الصمد يكتب.."هيرتا مولر"وصدمة فوزها بنوبل

الخميس، 08 أكتوبر 2009 10:20 م
حامد عبد الصمد يكتب.."هيرتا مولر"وصدمة فوزها بنوبل "هيرتا مولر" الفائزة بجائزة نوبل للآداب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يكن أشد الألمان تفاؤلا يتوقع فوز "هيرتا مولر" بجائزة نوبل للآداب لهذا العام، فهى وإن كانت كاتبة لها وزنها فى المجال الأدبى، لكنها لم تكن تنتمى لأدباء الصف الأول فى ألمانيا حتى صدرت روايتها الأخيرة "أرجوحة النفس"، التى أعادتها للصدارة مرة أخرى.

أضف إلى ذلك أن هيرتا مولر كرست كل أعمالها تقريبا لمواضيع تتعلق بالأقلية الألمانية فى رومانيا وحياتها تحت دكتاتورية الحكم السوفيتى. وهو موضوع لا يحظى باهتمام كبير داخل ألمانيا، ناهيك عن الاهتمام العالمى.

فالقارئ العالمى حين يقرأ روايات تغوص فى التاريخ الألمانى فإنه يفضل أعمالا ترصد الفترة النازية وجرائمها، مثل أعمال "جونتر جراس"، ولكن هيرتا مولر قررت رصد التاريخ الآخر لألمانيا الذى يصور الألمان كضحايا لدكتاتورية أخرى.

وحتى مولر نفسها لم تكن تتوقع هذا الفوز وقالت فى أول حديث لها على القناة الثانية الألمانية منذ قليل "معذرة.. لا أستطيع ان أتكلم الآن.. فأنا لا أزال لا أصدق ما حدث". فى حين أعربت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" عن سعادتها بفوز مولر، خاصة أن هناك تشابها فى قصة حياة كل منهما، حيث نشأت كل من ميركل ومولر تحت الحكم الشيوعى السوفيتى قبل أن تفرا إلى ألمانيا الغربية. وانهال مديح الكتاب الألمان على كتابات مولر، بينما شعر بعض النقاد بالإحراج لأنهم لم يضعوها فى حساباتهم.

طفولتها كانت مدرسة للخوف وكتاباتها ملحمة اللاوطن. ولدت هيرتا مولر عام 1953 فى مدينة "نيتسكى دورف" فى منظقة ألمانية سقطت تحت سيطرة رومانيا بعد هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى. درست مولر اللغتين الألمانية والرومانية ثم عملت كمترجمة بأحد مصانع الماكينات الثقيلة، وتم طردها من العمل لأنها رفضت التجسس لصالح المخابرات الرومانية فى عصر الدكتاتور "تشاوشيسكو".

صدرت لها أول مجموعة قصصية بالرومانية عام 1982 بعنوان "منخفضات" وهى أقرب لسيرتها الذاتية، حيث تصف فيها طفولتها فى عائلة ألمانية فى رومانيا. ووصفت مولر الألمان فى هذا الكتاب بأنهم أقلية منعزلة وغير متحضرة، كما وصفت العنف وإدمان الخمور كأحد مشاكل تلك الأقلية، واتهمت الأقلية بأنها حتى بعد انتهاء الحرب لم تتخلص من فكرها الفاشى مثلما فعل الألمان داخل ألمانيا. وكانت مولر تقصد بالتحديد والدها الذى كان نازيا متعصبا وكان عضوا فى القوات الخاصة المقربة من هتلر. كما تطرقت للمجتمع الرومانى وقسوته واضطهاده للأقليات. ولكن تم نشر الكتاب بعد أن حذفت الرقابة الرومانية كل الأجزاء التى تدين المجتمع الرومانى.

ثم نشر الكتاب لأول مرة بالألمانية عام 1984 فى نسخته الأصلية مما عرض مولر للاضطهاد الشديد والمضايقات المستمرة من قبل أجهزة الأمن الرومانية، حتى هربت عام 1987 إلى ألمانيا وعملت أستاذة زائرة بجامعات ألمانيا وإنجلترا والولايات المتحدة. هيرتا مولر تعيش اليوم ببرلين وأصبحت عضوا فى أكاديمية اللغة الألمانية.

صدر لها مجموعة كبيرة من الأعمال الأدبية أهمها "عندما كان الثعلب صيادا" ،"الملك ينحنى ويقتل"، "حيوان القلب" و"ليتنى لم أقابل نفسى اليوم". وتوجت مولر أعمالها برواية صدرت هذا الصيف بعنوان "أرجوحة النفَس" وفيها تحكى قصة اضطهاد الأقلية الألمانية فى رومانيا تحت حكم "ستالين" من خلال قصة شاب تم القبض عليه عام 1945 بعد انتهاء الحرب وإيداعه بأحد معسكرات العمل السوفيتية التى لم تكن أقل قسوة من المعسكرات النازية.

حصلت هيرتا مولر على جوائز أدبية عديدة من قبل بينها جائزة "كلايست" للأدب الألمانى وجائزة "فورت" للأدب الأوروبى، كما تتصدر روايتها الجديدة "أرجوحة النفس" القائمة القصيرة لجائزة ألمانيا للكتاب التى سيتم إعلان الفائز بها الأسبوع القادم بمعرض فرانكفورت للكتاب، وترجمت أعمالها إلى ما يزيد عن عشرين لغة.

وعلى الرغم من ذلك أصيب العالم كله بالدهشة حين أعلنت أكاديمية نوبل للأدب ظهر اليوم أنها الفائزة بالجائزة لهذا العام، حيث كان الجميع يراهن على أسماء أخرى مثل"عاموس عوس"، "فيليب روث"، "توماس بينكون" و"بوب ديلان". وفى حين كان الكثيرون بالشرق الأوسط يتوقعون فوز الإسرائيلى "عوس" بالجائزة أو أخذ الجائزة مناصفة مع آسيا جبار أو أدونيس، أثبتت الأكاديمية أن الاختيار لا يجب بالضرورة أن يكون سياسيا فى المقام الأول.

أنا شخصيا أعرف كتابات هيرتا مولر فقط لأنى مهتم بأدب الأقليات الذى كانت مولر أول من أسس له فى ألمانيا، وهى تحارب فى كل كتاباتها الاستبداد والعنصرية القابعة فى الأذهان. وأرى أن لها لغة ألمانية خاصة جدا احتفظت بجمال اللغة الألمانية الكلاسيكية، فهى لغة شاعرية ومشحونة بالصور والتشبيهات والأمثال الشعبية، فحين ترى أحجارا على الشاطئ تصفها بجمال شديد ثم تصف قصة العنف التى جاءت بهذه الأحجار إلى الشاطى: هى أحجار وضعها جنود الدكتاتور فى جيوب المعارضين قبل أن يلقلوا بهم إلى النهر.

وأرى أن روايتها الأخيرة "أرجوحة النفس" لا تقل أهمية عن رائعة "سولجنيستين" "أرخبيل جولاج" التى فضح بها جرائم الشيوعية السوفيتية.

استقبلت رومانيا فوز مولر بالجائزة بفتور شديد مثلما استقبل الروس حينها نبأ فوز سولجنستين بنفس الجائزة عام 1970، حيث مازال الرومانيون يعتبرون هيرتا مولر خائنة لأنها حسب قولهم شوهت صورة رومانيا فى أدبها، بينما عمت فرحة عارمة كل ألمانيا التى تستعد للاحتفال بمرور 20 عاما على سقوط حائط برلين و10 أعوام على فوز جونتر جراس بجائزة نوبل.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة