بينما يتدفق زعماء العالم لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، والتى تركز فى جانب منها على مناخ العالم وما أصابه من تغير، أستعد أنا لمغادرتها، ويستعد الرئيس الأمريكى للتركيز على نوع آخر من المناخ وما أدى إليه من تغير.
على غير العادة، يتيح أوباما نفسه للقاءات صحفية منفردة على خمس شبكات تليفزيونية أمريكية فى عطلة أسبوعية واحدة.. غطاؤه فى هذا قمة مجلس الأمن وقمة الدول العشرين الكبرى وزخم أروقة الأمم المتحدة، لكن هدفه الأهم كما يبدو فى هذه اللحظات، هو محاولة الخروج من معركة التأمين الصحى بأقل قدر ممكن من الخسائر والتعامل مع استطلاعات الرأى العام التى تشير إلى تراجع مضطرد فى شعبيته.
وعلى غير العادة أيضا، يلجأ أوباما إلى استدعاء مفعول البطاقة اللونية، بعد اتهامه مرة بأنه «نازى» ومرة بأنه «كاذب»، فيلتقط الخيط من تعليق للرئيس الأمريكى الأسبق، جيمى كارتر، فى الأسبوع الماضى قال فيه إن أوباما يتعرض لهجوم عرقى لأنه أسود.. هذه أول مرة يعمد أوباما، سواء قبل انتخابه أو بعده، إلى تناول هذه البطاقة، ولو حتى فى سياق نفيها، دون أن يكون مضطرا، وفى هذا إشارة غير مريحة للعالم، وخبر جيد للسيد نتنياهو.
تستطيع أيضا أن تتحدى مصداقية استطلاعات الرأى العام: من يقوم بها، وأين، ومتى، وكيف تُصاغ الأسئلة، وكيف تُعرض النتائج.. ففى واحد من أحدثها جاء أن 55 % من الأمريكيين لا يزالون يعتقدون أن إدارة جورج بوش الصغير كان معها الحق فى تطبيق ما اخترع له محامو وزارة العدل اسم «أساليب التحقيق الفائقة» Enhanced Interrogation Techniques مع سجناء جوانتانامو وأبو غريب وغيرهما، تغطيةً على المعنى الحقيقى لهذا المصطلح، وهو ببساطة: «التعذيب». ويعتقد كثيرون هنا أن نتيجة الاستطلاع كانت ستختلف بالضرورة لو كان القائمون عليه قد استخدموا هذه الكلمة البسيطة، الدقيقة فى الوقت نفسه.
على هامش ذلك، سيكون من الصعب ألا يلاحظ زعماء العالم من وراء نوافذ سياراتهم أن كثيرا من سكان نيويورك يعانون من بدانة تثقل كواهلهم، سيستيقظون فى مقار إقامتهم فى نيويورك على كم لا يحصى من الإعلانات التجارية على شبكات التليفزيون الأمريكى المختلفة، رغم الأزمة المالية العالمية التى انطلقت شرارتها من هنا، وسيلاحظون هذه المرة زيادة ملحوظة فى عدد تلك التى تروج للسلع والخدمات المرتبطة بإنقاص الوزن، وفى المساء ستغمرهم برامج المسابقات وبرامج الواقع Reality TV التى تعكس مشكلة أمريكية كانت بالأمس كبيرة ويبدو اليوم أنها خرجت عن نطاق السيطرة.
ففى عام 1962 كانت نسبة البدانة الفائقة Obesity بين الأمريكيين 13 % زادت عام 1980 إلى 15 % ثم قفزت عام 1994 إلى 23 % وتفاقمت عام 2000 بوصولها إلى نسبة 31 % من إجمالى عدد السكان. واليوم يعانى ثلثا الشعب الأمريكى من البدانة بينما يعانى ثلثه من البدانة الفائقة التى تقترب فى بعض الحالات من 200 كيلو جرام، ولا يبشر مستقبل أمريكا بكثير من التفاؤل؛ إذ إن عدد الأطفال المصابين بالبدانة الفائقة تضاعف ثلاث مرات منذ عام 1980 حتى الآن، وترجح توقعات الخبراء أنهم سيبقون هكذا حتى مماتهم.
وسأستيقظ أنا منحدرا نحو «ميدان تايم» الشهير؛ فلا يمكن أن تكون فى نيويورك دون أن تشترى شيئا إلكترونيا ولو على سبيل الاستخسار. أحدثها وأرخصها هنا، خاصةً إذا كنت من النوع الذى يستطيع أن يتحكم فى أعصابه حين تشعر -وقد دخلت أكبر محالها- أنك كأنما دخلت مستوطنة جفعات زئيف أو إلى حى اليهود الأرثوذكس فى القدس الغربية، تتعلم الكثير عن السياسة والاقتصاد والتجارة حين تقودك حساباتك فى النهاية إلى أن تقتنص فرصة الشراء رغم ذلك وما فى القلب فى القلب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة