يمثل الاستشهاد فى سبيل الوطن أقصى ذروة يبلغها الفعل الإنسانى المحصن بالوعى والإرادة، إنه الطرف الأخير لمسافة البذل والكفاح، والذود عن قيم الإنسان، وتاريخه، ومستقبله. لقد أفرزت حرب أكتوبر المجيدة العديد من أمثلة الاستشهاد والتفانى، وكانت مثلا لا يضاهى على ما يتمتع به الشعب المصرى من وعى واستعداد للتضحية من جهة وتشبث بالحياة الكريمة، والعادلة، والجميلة من جهة أخرى، فكان فعل رجال القوات المسلحة فى أكتوبر 1973 فعل الأبطال دائما، وكان اندفاعهم لا يشوبه التردد، ولا يعوزه اليقين، وقد سجلوا وهم فى اندفاعهم هذا، أروع صفحات الاستبسال، والاستشهاد، وتركوا بصماتهم واضحة على الكثير من المواقع التى شهدت بطولاتهم الحقة.
إن واجب الوفاء يحتم علينا أن ننحنى محبة وإجلالا للأكرم منا جميعا، لأولئك الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن هذا الوطن ومجده، والذى تضمخت أجسادهم بالدم والتراب. من أجل أن يظل هذا الوطن كريما .. وقويا .. ونظيفا، إن الحياة التى وهبها هؤلاء الشهداء الأوفياء خالدة فى ضمير الأبناء مدى الدهر. فلقد جاءوا بأعز ما يملك الإنسان من أجل انتصار الوطن وعزته، ولكى تبقى هامات أبنائه مرفوعة لا تذل للعدو الإسرائيلى، ولذا فنحن الشعراء نجد فى الشهيد رمزاً إنسانياً يلهمنا على الدوام ويمنحنا الثقة بأن القيم تصونها الدماء، وأن الكرامة أغلى من أى شىء.. ولذا فإن إبداعنا يزداد رسوخا، وإضاءة بما يهبه لنا نموذج الشهيد: هذا الواهب الأعظم. إن شعبنا يحتفظ للشهداء بأعز الأمكنة، ويرى أنهم أحياء فى ظل انتصار المبادئ، لا يغيبون عن مشهد الحياة، لأنهم انتصروا لها، ودافعوا عنها، ونحن إذ نستذكر شهداءنا فى هذا اليوم فإن صور الشهادة ونبل الشهيد لا تفارقنا كل لحظة فمنها نستمد العزم.
إن كل ما تعلمناه وكرسته الذاكرة والإبداع ندين به للشهداء، فلا أقدس ولا أبقى من قصيدة تصاغ حروفها من دم شهيد افتدى هواء الوطن. فإذا كان الوطن هو النهر، فالفن هو الضفاف وهو الأشجار المتجذرة إلى الينابيع العميقة، وإذا كان الوطن هو السماء، فالفن هو العصافير التى تلونها السحب التى تلعب فى زرقتها ومدها، وإذا كان الوطن هو الجندى المقاتل والتحصينات التى تسورها القلوب، فالفن هو العبق الذى يتركه أبطالنا فى بيوتهم، وقبلات الحب التى يودعون بها أطفالهم. ليس عند الأدباء إذن ماهو أكبر من الوطن، والوطن هو أكبر من كل الانتماءات، والوطن نفسه هو من يمسد على الجراح، ومياهه وحدها هى التى تمتلك لغة الحديث مع الجراح، ولا خيار عندما يكون الوطن أمام امتحان إلا خيار الوطنية، لا تتجسد إلا بالفعل التاريخى لا الفعل اليومى البليد والساذج، وخير من يجسد الوطنية من ينهض بها، لا أن ينهض لها لدوافع أخرى. إن الوطن ليس ساحة لجينتلمان اللغة، ولا إلى – سوبر مان – المعرفة، ولا إلى – عنترة الماضى -، أو دونكيشوت الفراغ إنما الوطن هو الوطن بكل من فيه وما فيه.
فيا أيها الشعراء يجب أن تستوحوا مضامين قصائدكم وتشكيلاتها، ونحن على أعتاب ذكرى حرب أكتوبر من شهداء هذا الوطن وتكتسب إبداعها من نهوضه وإصراره عل الشموخ والكبر. إن القصائد التى تستمد مادتها من شهداء هذا الوطن تكتسب صفة الخلود والديمومة شريطة أن تتمتع بقدر كاف من عناصر الفن، وأن تكون مشحونة بفعل الإبداع، ومكتظة بالدفء، وفعل التجاوز والإصرار والوعى نريد أن نصير فى هذا اليوم كلا واحدا، صوتا واحدا، قلبا واحدا، شجرة واحدة. ونهتز كاهتزازات الربيع فالمجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
عبد الناصر عبد الرحيم أحمد يكتب: المجد للشهداء
الأربعاء، 07 أكتوبر 2009 04:35 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة