استقال القاضى المحترم محمود الخضيرى وهذا حقه تماما كما من حق أى مسئول أن يقدم استقالة مسببة أو غير مسببة، ولا أعرف سر الهجوم على الرجل الذى قال فى استقالته ما لا يجرؤ غيره على الهمس به.
قالها الرجل ومضى فى حال سبيله، ولكن جهابذة الحزب ومناضلى المواقع الصحفية رأوها فرصة تاريخية لإعادة إثبات ولائهم للسلطة وللتأكيد مرة أخرى على أن عدو صديقى هو عدوى حتى آخر رمق من الحياة.
البعض سخر من الخضيرى ومما زعموا أنه انخراط فى السياسة، ولم يسخر من الوزير الذى كان من المفترض أن يكون صدرا رحبا ومرجعية تشيع الطمأنينة فى المجتمع، والذى عوضا عن استدعائه للقاضى المستقيل وهو قاضٍ كبير خبرة ومقاماً لمناقشته فى أمر استقالته، إذا به يعلن قبول الاستقالة منوهاً أنه قبلها لأنها غير مسببة (يا راجل حرام عليك).
الوزير نفسه أكد صدق ما ذهب إليه القاضى المحترم المستقيل بإصراره على التدخل فى شئون القضاء، على الرغم من رفض القضاة كلهم لهذا التدخل السافر، وبدلا من أن يتهم الوزير بالتدخل، إذا بالبعض يغض الطرف وينتظر التعليمات ببدء الهجوم عليه فقط قبل الرحيل!
محمود الخضيرى أراد أن يعبر عن رأيه كما فعل مقبل شاكر عبر عشرين قناة فضائية، وكما يفعل الزند وبسيونى وكل رمز من رموز القضاء من حقه أن يعبر عن رأيه، وهذا لا يعنى أنه يتعين على القاضى أن يكون حزبياً بل وطنياً شريفاً يرى هموم وطنه وينحاز للمواطنين دون أن يكون له انتماء حزبى.
المستشار الفاضل الخضيرى عبر عن رأيه بحياد تام فأرهبوه بقولهم إنه من الإخوان، وهى التهمة التى تعنى ضرورة اعتقاله والتمثيل به، على الرغم من أنه نفى ذلك، والإخوان مشكورون نفوا ذلك، ولكن البعض يريد من القاضى المحترم أن يحلف بالله العظيم ثلاثة أنه لم يكن ولن يكون فى مستقبل الأيام منهم.
البعض الآخر أشار إلى أن الرجل استقال لكى يترشح لرئاسة الجمهورية، (يا ناس حرام عليكم واختشوا على دمكم) ورغم ذلك نفى الرجل التهمة "الشريفة"، فالترشح للرئاسة ليس عيباً، ولكن العيب أن هناك مجموعة تتربص بكل رمز وتشوه صورته حتى تهيل التراب عليه فلا يبقى للترشح إلا واحد فقط (!!!!).
لست مع تسييس القضاء ولا الشرطة ولا الجيش، فتلك عمد الدولة الراسخة التى لا يختلف على دورها الوطنى أحد، وبالتالى فإن تدخل الدولة فى القضاء هو الذى سمح بتدخل القضاة فى الشأن العام، ولكن انظر إلى حرمان القضاة من الإشراف "التام" على الانتخابات بعد نتيجة انتخابات عام 2005 وفوز المعارضة بمقاعد تصل إلى الربع تقريبا، وكان من الممكن أن تزيد لولا تدخل الدولة!
واسأل نفسك لماذا تسمح الدولة بإشراف القضاء، وعند أول ممارسة فى غير صالحها تقوم بتغييره؟
ثم ندعى أن المعارضة لو وصلت إلى الحكم لن تخرج منه أبداً! وننسى أن الذى فى الحكم لا يزال فيه ولم يخرج منه بعد! أليس كذلك؟
لقد تدخلت الدولة فى كل شىء وبطريقة غشيمة، وعليها أن تتحمل تبعة وزرها اليوم وغداً، والتاريخ لن يرحم أحدا.
آخر السطر:
العدل اسم من أسماء الله الحسنى، وحين يفتقد العدل عند وزير العدل، فإننا بحاجة إلى معجزة إلهية تعيد إلى المسئولين عقولهم قبل أن يقوم الناس بأخذ حقوقهم بأيديهم!!!