يبقى الخبر الأسود للثقافة العربية والمثقفين على حد سواء فى إعلان يوم الجمعة المقبل عن فوز الروائى الإسرائيلى عاموس عوز بجائزة نوبل، بعد أن قالت بورصة المقامرات والرهانات الغربية إنه يتصدر قائمة المرشحين هذا العام لنيل الجائزة فى الأدب، و تليه فى الترتيب الأديبة الجزائرية ــ الفرنسية آسيا جبار، ثم الأديب الأسبانى خوان جويتيسولو.
وتشمل قائمة الترجيحات أيضاً كل من الروائية الأمريكية جويس كارول أوتس، والأديب الأمريكى فيليب روس، ولويس غويتيسولو، شقيق الكاتب والروائى خوان غويتيسولو، والشاعر السورى المولد أدونيس "على أحمد سعيد" الذى سبق وأن رشح لهذه الجائزة مرات عديدة ولم ينالها بعد، وربما لن ينالها إطلاقاً، حتى ولو عمل "عجين الفلاحة" وسنورد الأسباب؟
الألم أو السواد الذى نتحدث عنه ليس اختراعاً ندعيه، لكنه سمة فى الثقافة العربية، التى تعودت النواح والبكاء بسبب وبدون سبب، بوعى وبدون وعى فى كثير من الأحيان، لأن السيد الخواجة فى الغرب، لم يمنحها بعد صك الغفران.
ولعل مناحة قريبة أقمناها، مؤيدين ورافضين، لم تذهب أصداؤها، لخسارة منصب اليونسكو، ولسان حالنا مازال يقول .. ماذا نفعل لكى يرضوا عنا.
الراصد لتلك الشيزوفرينيا الغريبة التى نعانى منها بإمكانه توقع المناحة العربية المقبلة حال فوز الإسرائيلى، فضلا عن الانقسام المتوقع عند ورطة اقتسام الجائزة بين "عاموس وجبار"، وعما إذا كانت السيدة آسيا ستقبل أو ترفض الجائزة، يدها فى يد الإسرائيلى.. والعقلية الغربية تعرف جيدا ماذا تفعل وماذا تريد، خصوصا أن خبراً تسرب يقول بأن الأكاديمية السويدية تبحث فى اقتسام الجائزة بين كاتب إسرائيلى وكاتب عربى، كخطوة تشجيعية للسلام بين العرب وإسرائيل، واختيار آسيا الجزائرية وعاموس الإسرائيلى يلقى استحساناً لدى المشرفين على الجائزة.
سنبكى على نوبل ونعيد إثارة كل التساؤلات حولها بدءاً من المعايير التى تعتمدها فى المنح والمنع. وأن جوائزها، التى نتقدم إليها، ونمرغ وجوهنا قبالتها، تمنح لأسباب سياسية أو أسباب خارجة عن حدود المعايير الأدبية.
وسنجد من يقول مجددا إنها منحت لنجيب محفوظ، مثلا، ليس لأنه أكبر روائى عربى فقط، وإنما لأنه كان مؤيدا للسادات، ومتحمسا لصلحه مع إسرائيل.
الانبهار بالغرب وثقافته، له وقع السحر علينا منذ سنوات طويلة، بدت تلك الإشكالية أكثر سطوعا مع السبعينيات، عقب تمييع الصراع العربى الإسرائيلى، والانفتاح الغير محسوب على أى مستوى، لتظهر عقدة العالمية فى السينما، التى لحق بذيلها حينا "عمر الشريف"، واستأثر بها نجيب محفوظ من بعد فى الأدب، لدرجة رفضه ترشيح غيره لنوبل، وكان بإمكانه أن يفعل؟!
كان خبر فى السبعينيات عن اختيار مجلة أوروبية للسادات "كأشيك" رئيس فى العالم حدث جلل، زينت به الصفحات، وظلت ألقاب، من نوع أقوى رجل وأشجع رجل، هى شهادات الإنصاف، لينال بعد ذلك "نوبل" مناصفة مع صديقه ــ حسب توصيفه هو له ــ رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن، وتحرقت الصحافة العربية شوقاً ذات يوم، لأن هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، أبدى إعجاباً فى سهرة حمراء، بهز وسط وأرداف راقصة مصرية ــ نجوى فؤاد ـــ أثناء زيارة مكوكية له بين مصر وإسرائيل.
لم يكن العرب، وبينهم "طه حسين والعقاد ومى زيادة وتوفيق الحكيم وبيرم التونسى وزكى نجيب محمود والشرقاوى والبياتى والسياب ونازك الملائكة ..وغيرهم قائمة طويلة من القامات الشامخة التى أسست فكرا وإبداعا ينتظرون نوبل، ولم نعرف لصاحب مشروع ممن ذكرنا ومن لا نذكر، أن "جعل خده مداسا" ـ وفق المثل الشعبى ـ لكى يحظى بالرضا السامى فى الغرب، أو ليشعر بقيمته وقامته، فنراه مغازلا "متشائلا" حسب رؤية أميل حبيبى، للواقف بين التفاؤل والتشاؤم، أو منتظرا العام وراء العام على طريقة عبده مشتاق.
لم يكن العالم العربى يشغل نفسه بجوائز الغرب حتى السبعينيات لا فى السينما أو الأدب. وكان هم مبدعيه منصرفا إلى الإنتاج والإبداع دون الاهتمام بجوائز تأتينا عابرة للقارات.
هل يعقل أن يصرف شعراء عرب الدولارات للانتقاء من أعمال أدونيس، وترجمتها لمن يهمه الأمر فى جائزة نوبل ويقدموها كتقارير بهدف منع الجائزة عنه وتشويه سمعته لأن فيما كتبه مثلا عام 1972، يتعاطف فيه مع عملية نفذها الفدائيون الفلسطينيون فى ميونخ، أو أن تفتح مغاليق أشعاره هذا العام عن أبيات لها وقع سيئ اليوم عند الغرب ..تقول :
شعب إيران يكتب للغرب
وجهك يا غرب ينهار
وجهك يا غرب مات
شعب إيران شرق تأصّل فى أرضنا، ونبىّ
إنه رفضنا المؤسس، ميثاقنا العربىّ.
وهل لك أن تتخيل إذا تجولت على شبكة الإنترنت بحثا عن اسمه هذه الأيام، بأن عشرات الكتبة والمثقفين سوف يصابون بالسكتة القلبية إذا ما وقع المحظور (لا سمح له) ومنحت له!
ربما لا ينال أدونيس الجائزة، وربما لا ينالها أى عربى يوم الجمعة المقبل، وتذهب لإسرائيل، أو إلى الجحيم .. وكل ما علينا هو نصب سرادقات العزاء لمثقفى أمة، ارتضوا لأنفسهم ذلك الانحدار تحت سفح الغرب، فلا نحن قادرون على الأخذ بأسباب نهضته، ولا قادرين على التعامل معه بندية، فقط نعرف شروطه، وعندنا استعداد للتنازل والتنفيذ مهما بلغ المدى. أى مأزق نحن فيه اليوم وإلى متى سنظل كذلك؟! لا إجابة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة