مصطفى زهران

القاعدة فى الصومال تطل برأسها من جديد

الأحد، 04 أكتوبر 2009 07:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
".. شباب صوماليون وجهاديون.. تجمعوا تحت مظلة أصولية, رافضين لحكم الرئيس الصومالى الشيخ "شريف أحمد" منذ توليه سدة الحكم فى 31 يناير "كانون الثانى"2009م؛ لاتهامهم إياه بالعمالة للغرب, واصفينه بكرزاى الصومال الجديد.. تدفعهم رغبة جامحة فى تحكيم الشريعة على المنهج السلفى الأصولى, ناقمين على الوجود الأجنبى فى الصومال.. إنها "حركة شباب المجاهدين" التى أعلنت من خلال شريط تسجيلى, مبايعتهم لزعيم تنظيم القاعدة "أسامه بن لادن" وأنهم فى انتظار الأوامر الجهادية منه.. ليفجروا بذلك قنبلة من العيار الثقيل, ويسدل الستار عن مرحلة جديدة من الصراع بين الحركات الإسلامية الراديكالية فى الصومال والحكومة الحالية, وحلفائها من الولايات المتحدة والقوات الأفريقية.. رسالة موجهة لأمريكا وحلفائها, والعالم أجمع.. مفادها أن خطر القاعدة لم يعد محصورا فى أفغانستان والعراق والمغرب العربى فحسب, إنما امتد ليصل إلى الصومال.

وتحت عنوان"لبيك يا أسامة" عٌرض الفيلم التسجيلى من خلال المواقع الجهادية التابعة للقاعدة, وتناقلته بعد ذلك وسائل الإعلام العربية والغربية... مشاهد متنوعة من تدريبات, وعمليات قنص وغيرها, تعكس بدورها تواجد وتنامى الفكر الجهادى فى الصومال متمثلا فى حركة الشباب الصومالى تحديدا وحلفائها فى الداخل, حث الشريط التسجيلى جموع الشباب الصومالى على الانضمام والالتحاق بمجموعاتهم الجهادية.. واقع مغاير لكل الأحاديث التى تتحدث عن أفول القاعدة وتراجعها, ليعيدوا حساباتهم.. وتحذير شديد اللهجة لحكومة الشيخ شريف أحمد من مغبة الأيام والشهور القادمة.

أدركت الاستخبارات الأمريكية منذ وقت بعيد الوضع فى الأرض الصومالية, وأصبحت على دراية كاملة بطبيعة الحركات الإسلامية هناك, خاصة وأن لها تجربة سابقة على الأرض الصومالية, حين قامت باحتلالها بقيادة تحالف غربى فى الفترة مابين(2002م- 2004 "م), بهدف إعادة الاستقرار إلى الصومال بعد حرب أهلية طاحنة, عقب سقوط حكومة سياد برى فى عام 1991م, وعلمها جيدا بنشاطات القاعدة فى أفريقيا منذ البدايات الأولى لعقد التسعينيات من القرن العشرين, هذه النشاطات التى ساهمت بقدر كبير فى خروجها من الأرض الصومالية, حينما تعاونت القاعدة مع الحركات الأصولية فى الصومال, ووقفت جنبا إلى جنب معها تدريبا وتسليحا وفى نقل خبراتها من أفغانستان إليها.. وخلال هذه الفترة لمعت أسماء جهادية تنتمى للقاعدة كان على رأسها المسئول العسكرى الأول للقاعدة فى ذلك الوقت "أبو عبيدة البنشيرى" الذى غرَق فى بحيرة فيكتوريا بأوغندا منتصف1996م.

ساهم خروج الأمريكان من الصومال فى 2004م فى تنامى المد الأصولى على الأرض الصومالية, وخاصة بعد تنامى الإحساس بين الصوماليين بأنهم استطاعوا رغم قلة عددهم وعتادهم الصمود أمام أقوى جيش فى العالم, وراقبتهم شاشات التلفاز العالمية حينما كانوا يقومون بسحل الأمريكان فى شوارع مقديشيو ونينوى, الأمر الذى أشعل حميتهم وقذف فى قلوبهم زهوة النصر, مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى ترقب الأحداث جيدا فى الداخل الصومالى, ومحاولة تغيير الأوضاع الداخلية لتصبح بعيدة عن تلك الحركات التى تتعاظم قوتها يوما بعد آخر, وحين سيطرت المحاكم الإسلامية على الصومال بالتعاون مع الشعب الصومالى بعد القضاء على أمراء الحرب فى الداخل الذين حولوا ثروات الصومال لحساباتهم الخاصة, فزعت الولايات المتحدة الأمريكية لذلك, وخاصة بعد نجاح هذه المحاكم فى إرساء الأمن والاستقرار, وراحت تبحث عن وسائل لتحول بين هذا المد الأصولى والحكم فى الصومال, حتى نجحت فى ذلك؛ الأمر الذى أكده الصحفى جيسون ميكلور فى مجلة النيوزويك الناطقة بالعربية بتاريخ 9سبتمبر 2008م بقوله: "إن إدارة الرئيس السابق بوش حاولت كبح تنامى نفوذ الإسلاميين فى الصومال, فقامت بدعم أثيوبيا المجاورة لتجتاح الصومال فى 2006م, وعلى إثرها تغلب الأثيوبيون على الإسلاميين بسرعه.. وعينوا حكومة انتقالية تدعمها الأمم المتحدة؛ وهى الحكومة الحالية بقياده الشيخ شريف أحمد.

ولعل ما قامت به القوات الأمريكية فى شهر أغسطس الفائت من ضربة فى الداخل الصومالى خير شاهد على التعاون الثنائى بين الولايات المتحدة والحكومة الصومالية من أجل مواجهة واستئصال القاعدة, من قيام قوات كوماندوز أمريكية بشن غارة أدت إلى مقتل صالح النبهان, القيادى البارز فى تنظيم القاعدة فى الصومال وشرق أفريقيا, والتى كانت ضربة موجعة لقيادات القاعدة فى الصومال, وضربة نوعية تعكس حجم العمل الاستخباراتى الأمريكى والغربى على الأرض الصومالية, وقامت حركة الشباب بالرد على هذا الهجوم باستهداف قوات حفظ السلام الأفريقية وتكبدت تلك القوات خسارة فادحة بين صفوفها.

المراقب للداخل الصومالى الآن يجد سيطرة حقيقية لحركة شباب المجاهدين سيطرة شملت شمال العاصمة الصومالية مقديشيو والجنوب الصومالى, وتم محاصرة الحكومة الحالية داخل أسوار نينوى؛ الأمر الذى دفع الشيخ شريف إلى القيام بجولاته المكوكية الممتدة من الشرق إلى الغرب تحت غطاء أمريكى, على أن يحصل على تأييد غربى وعربى لتثبيت أركان حكمه, فى هذا البلد التى مزقتها الحروب, والصراعات الداخلية؛ مما جعلتها فى عداد الدول التى بلغ منها الفقر والمرض والجهل مبلغا.

إن الولايات المتحدة فى حملتها العالمية تحت ما يسمى"بمكافحة الإرهاب" ترتكب نفس الخطأ الذى ارتكبته فى أفغانستان والعراق, وتفتح عليها جبهات جديدة فى الصومال, من خلال دعمها المتواصل للقوات الأفريقية هناك, وتواجد سفنها الحربية بالقرب من الصومال, والتى تنطلق منها طائراتها لتقوم بضربات فى الداخل الصومالى؛ محاولة منها القضاء على التنظيمات الأصولية وعلى رأسهم "حركة شباب المجاهدين", ولن يهدأ لها بال حتى تتخلص منها, وفى ذلك يقول الخبير الفرنسى المتخصص فى قضايا الحركات الإسلامية فرانسوا بيرغات إن هناك ثلاثة عوامل رئيسية ساهمت فى تفشى ظاهرة "الإرهاب الإسلامى" على حد قولة، تتلخص هذه العوامل فى النزعة الأحادية والهيمنة الأمريكية على العالم واختلالات النظم السياسية فى العالمين العربى والإسلامى وطبيعة التحولات التى جرت فى مسار التيار الإسلامى، إذن هذه الأخطاء التى ترتكبها السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تتمخض عنها المئات من الحركات الإسلامية الراديكالية التى تقف ضد القهر والظلم وتجعلها تنتهج أيديولوجية متخبطة وترد على العنف بعنف مضاد أشد فتكا وضراوة.

وفى حال صمود حركة شباب المجاهدين أمام الضربات الأمريكية, وملاحقة القوات الأفريقية, ومطاردة قوات الحكومة الصومالية, ستحقق الحركة انتصارا كبيرا ليس للقاعدة فحسب, وإنما للتنظيمات الإسلامية الأصولية فى الداخل الصومالى وخارجه، وإن لم تعِ واشنطن؛ لذلك سيكون هذا الصمود دافعا رئيسيا فى تصاعد الفكر الجهادى, وامتداده ليشمل الأقاليم والبلدان المجاورة, وستتطلع أعينهم إلى فتح جبهات جديدة, خاصة فى أثيوبيا وتنزانيا وكينيا, بدافع نصرة الضعفاء من المسلمين خاصة أن هذه البلاد تحوى الآلاف من المسلمين الذين يعانون من الاضطهاد والظلم خاصة فى إقليم أوجادين الذى يُنظر إليه من قبل الأصوليين على أنه إقليم محتل من قبل الأثيوبيين.

حقيقة الأمر أن الصومال تمر بمرحلة صعبة ومصيرية, فالصراع بدأ للتو على أشده بين الحركات الإسلامية الأصولية فى الصومال وبين أمريكا الداعم الرئيسى لحكومة شيخ شريف أحمد، وإذا ما انتصرت أمريكا فى حربها تحت غطاء مكافحة الإرهاب, ستُمكن لحكومة الشيخ شريف على الأرض الصومالية وإن فشلت مساعيها لذلك, فستخرج حاسرة الرأس مرة أخرى لتعيد تجربتها السابقة فى الصومال أواخر2004م, ويتجه الشيخ شريف إلى مناداة قادة الحركات الأصولية هناك للجلوس على طاولة المفاوضات, ويحثهم على الانخراط فى الحياة السياسية, حينها ستخرج أمريكا من رهان خاسر وجولة أخرى من الفشل كما هو الحال فى أفغانستان، وتصبح القاعدة قاب قوسين أوأدنى من تحقيق مآربها فى الجزء الجنوبى من القارة السمراء.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة