>> لا أعرف لماذا لا يذهب المثقفون والفنانون إلى الأراضى المحتلة لرؤية كل شىء على الواقع.. بدلاً من الخوف على ملابسهم
>> أنا بنـى آدم وزيارتى إلى رام الله إنسانية ولا أنتمى لحزب سياسى
فى طريقى إلى منزلها بحى المعادى سألت نفسى ما الذى فعلته «هند صبرى» لتنال منها بعض الأقلام؟ ما الذى ارتكبته؟ هل خالفت البديهيات والمسلمات؟ هل تمردت؟ حطمت التابوهات واللاءات؟ وجدت نفسى أقول أبداً هى فقط لم تخف، وتعاملت مع الأمور من منطلق إنسانى، فكرت للحظات وتساءلت: ما الذى ستخسره إذا أسعدت أهل «رام الله والضفة الغربية»؟ وما الذى سيحدث إذا شاهدت أرضا طالما حلمنا بها ونتمنى زيارتها؟ ولكننا بتنا لا نعرف لماذا لا نذهب، وتشجعت هند على كسر حاجز الصمت والتجاهل، وقررت أن ترى أرضا تنبض بالحياة رغم المعارك والقتال والحصار، وكشفت هند عبث الواقع الذى نحياه، وراهنت على أن فلسطين رام الله والضفة الغربية وطن مجروح، لكنه يحيا ويعيش ويحاول بكل الطرق أن يكسر سجنه ويخرج «لسانه» لسجانه مؤكداً له «مازلت أعيش وأحيا».
زيارة هند صبرى الأخيرة إلى رام الله ومشاركتها فى مهرجان القصبة السينمائى جعلتنى أتساءل: هل إلى هذه الدرجة أصبحنا خامدين؟ ولماذا بتنا مستسلمين نخشى الاقتراب أو التصوير مكتفين بما تصدره لنا نشرات الأخبار عن الأراضى المحتلة، وهى الصورة التى تتسق مع ما يرغب فى أن يكرسه العدو فى فلسطين المستباحة صاحبة المنازل «المدكوكة»، فوهات الدبابات التى تتصدر المشهد دائما، نساء يصرخن ورجال قتلى وضحايا، وأطفال تنتهك طفولتهم فى كل لحظة، تلك هى الصورة الإعلامية التى أصبحت تطاردنا وتحاصرنا، ولكن زيارة هند كشفت الكثير.. فهند التى استقبلتنى بوجه بشوش مازالت تمتلك نفس النظرة التى شاهدتها فى عينيها عند لقائى الأول بها عندما قدمت فيلمها الأول «مذكرات مراهقة» عينان شديدتا الذكاء تحملان نهم المعرفة ورغبة دائمة فى طرح الأسئلة وسؤل أهم عن ماذا بعد وماذا أفعل فى حياتى؟!
نفس العينين لم يتغير فيهما الكثير، فيما عدا حزن أعمق.. وإحساس بالنضج صار يملأ تقاسيم الوجه، وسرعان ما فتحت «اللاب توب» لأشاهد معها صورها برام الله والضفة ومشاركتها فى العديد من الأنشطة الفنية والثقافية هناك».
تلك الرحلة والتى أعتقد أنها زادت هند خبرة أصقلتها إنسانياً، ولن أبالغ أن هناك حالة من الصفاء الروحى علا وجهها، حيث قالت لى بحماس شديد «الرحلة دى كشفت لى عن جهلنا، نعم جهلنا بذلك الشعب العاشق للحياة رغم كل شىء» ورغم كل الظروف المحيطة بهم، لكنهم استطاعوا إنشاء فضاء ثقافى كبير بجهود ذاتية، ومن خلاله يحتفون بكل أنواع الفنون، بل هناك أيضاً أكاديمية تدرس الدراما للطلاب الذين التقيت بهم.
قلت لها قرار زيارتك لرام الله والضفة ذكرنى بمقطع من قصيدة «ريتا» للشاعر الفلسطينى محمود درويش يقول فيه: «ريتا تحتسى شاى الصباح.. تقشر التفاحة الأولى بعشر زنابق.. وتقول لى: لا تقرأ الآن الجريدة، فالطبول هى الطبول والحرب ليست مهنتى وأنا أنا، هل أنت أنت؟».
- ضحكت هند وعلقت: «الحرب فعلا ليست مهنتى فأنا إنسانة ليس لى علاقة بالكلام الكبير والسياسة، فأنا لا أنتمى إلى حزب ولست مسيسة، وزيارتى إنسانية» أنا بنى آدم عايز يعرف ويشوف بنى آدمين من لحمه ودمه ولكن صارت بيننا مسافات.
وعن اللحظة التى اتخذت فيها قرار السفر وعدم خوفها من الهجوم الذى قد تتعرض إليه، حكت لى بنفس النظرة الفضولية والمتسائلة «تلقيت الدعوة منذ شهرين وأكثر، كلمة صغيرة وقعت عليها عيناى بمجرد أن فتحت الدعوة «نحن ندعوك لرسم البهجة على وجه شعب فلسطين»، صمتت هند، وقالت «حسيت إنى قلبى وجعنى وسألت نفسى بعد أن أنهيت قراءة تلك الجملة، ما الذى أفعله؟ أنا شخص أعطاه ربنا الشهرة وأصبح يملك قدراً من المسئولية والمصداقية ماذا أفعل بتلك الهدية؟ هل أتجاهلها؟ هل أكتفى فقط بالوقوف أمام الكاميرات وارتداء الفساتين؟ الفن والفنان لا يجب أن يُختزل فى ذلك، خصوصاً أن الفلسطينيين من أكثر الشعوب معاناة فى المنطقة فهم شعب مسجون ومكبل,.
- صمتت هند وكأن لسان حالها يقول «صحراء للصوت، صحراء للصمت، صحراء للعبث الأبدى للوح الشرائع، للكتب المدرسية، للأنبياء والعلماء لشكسبير صحراء الباحثين عن الله فى الكائن الآدمى، هنا يكتب العربى الأخير: أنا العربى الذى لم يكن» - من قصيدة فرس إلى الغريب لمحمود درويش.
وحول عدم خوفها من الزيارة والهجوم المتوقع من البعض عليها، خصوصاً أن هناك الكثير من الفنانين الذين ذهبوا هناك تعرضوا لحملات إعلامية سخيفة..
- بحماس قالت: مازلت مصرة على أننى فنانة عربية عليها أن تنفعل وتتفاعل مع قضايا أمتها فما بالكم بالقضية الفلسطينية؟ ولن أعمل نفسى شجاعة وأقول لم أخف، طبعاً خفت وخشيت من رد فعل البعض ولكننى حسمت أمرى قلت أنا مش عاملة حاجة غلط وللأسف خوفنا أصبح غير مبرر، وبانفعال: هذا الخوف أصبح حاجزاً جعل البعض يخشى الذهاب إلى هناك وتلبية دعوة المهرجان.. وعن نفسى قررت ألا أخضع لأية محاولات لترهيبى.
قاطعتها: هل ترين أن هناك محاولات لإرهاب من يذهب؟
- ردت: بالتأكيد.. هناك بعض الأقلام والقنوات الإعلامية التى لا تملك قدراً من المسئولية ولا ترغب سوى فى إثارة البلبلة.. وهو ما يربك البعض.. أرجوكم تعاملوا مع المسألة ببساطة «بنى آدم راح يزور بنى آدمين» والسؤال المهم الذى أطرحه من خلالكم لماذا انقطع الفنانون عن فلسطين؟؟ ألسنا عرباً «أنا العربى الذى لم يكن»، ولكن يبدو أن هناك بعض المتربصين الذين لا يجيدون سوى الإرهاب والترهيب ووضع المصطلحات الكبيرة لتصبح مثل السيف المسلط على الرقاب وللأسف هذا ما جعل الكثير من الفنانين والمثقفين يخشون الذهاب.. فى هذا السياق أشكر النجم الكبير «نور الشريف» على مسلسله «متخافوش»، وبجد زيارتى إلى رام الله، والضفة جعلتنى أقول لكل زملائى «متخافوش»، خاصة أن انقطاعنا عن الفلسطينيين يخدم العدو الصهيونى وليس العكس، أرجوكم لا تتركوهم يرهبوننا أكثر من ذلك، والحمد لله أننى وجدت صدى إيجابى لتلك الزيارة، وعما إذا كنا نحتاج إلى إعادة تفسير لكلمة تطبيع قياساً إلى الكثير من المتغيرات أكدت بصورة قاطعة: أنا ضد التطبيع وبالنسبة لى هذا أمر مسلم به، والمعيار الحقيقى عندى هو العودة إلى حدود 67، لكن علينا أن نتعلم كيف نضايق العدو الإسرائيلى فى مشروعه، فذهابنا إلى فلسطين أصبح أمرا ضروريا خصوصاً أننا فى عصر الإعلام والذى يعد معركة أخرى، أرجوكم «بلاش نظرية أنا شايفك ومتعاطف معاك من ورا السور بس خايف آجى عندك لحسن هدومى تتوسخ»، وكل كلامى هذا من منطق إنسانى وليس سياسيا، نحن نتكلم عن ناس لا يستطيعون الأكل أو الشرب، يأخذون تصريحا للمرور من شارع إلى آخر.
صدقينى الفنانة ليس دورها أن ترتدى الفساتين وتتصور كما قلت.. ولكن للأسف نحن فى عصر تقزيم وتفتيت دور الفنان الذى منحه الله هبة توصيل رسائل سامية، فلماذا يتخلى الفنان عن دوره هذا، وهل وصل الأمر بنا إلى درجة أن الفنان عندما يؤازر الشعب الفلسطينى يتم توبيخه.. الفنان لا يجب اختزاله فى أنه بتاع «الهشك بشك»، وأرجو من المثقفين أصحاب النظريات والذين يتابعون ويحللون القضية الفلسطينية منذ فترة طويلة أن يفكروا ولو مرة فى زيارة الأراضى المحتلة فالواقع مختلف تماما، وأرجو أيضاً مراجعة كلمة تطبيع لأنها أصبحت مطاطة، خصوصاً أننا نحن الذين نعطى الكلمات معانيها، ولا يوجد عربى مخلص مع التطبيع،
يقول محمود درويش أيضاً: البيوت تموت إذا غاب سكانها، فهل تموت أيضاً إذا غاب أصدقاء وجيران هؤلاء السكان؟
- بانفعال علقت، طبعا البيوت تموت إذا غاب عنها سكانها وأهل سكانها الذين يساندونهم، وروت هند أن زيارتها إلى الأراضى الفسطينية كشفت لنا جهلنا بالآخر، واكتفاءنا بالصور النمطية التى صارت تملأ رأسنا من القنوات الفضائية.. لذلك قالت: أتمنى أن يذهب من يجلسون فى المكاتب المكيفة ليروا كيف يعيش الفلسطينيون حياتهم اليومية، وذلك الجدار الفاصل المشين بين الضفة وفلسطين.
وعن البيان الذى أصدره مسئولو مهرجان القصبة والمثقفون الفلسطينيون لمساندتك بعد الضجة التى أثيرت؟
- صدقينى فأنا لا أبالغ، ما حدث غيّر بداخلى أشياء كثيرة، ويكفى لحظات الحب والدفء الحقيقى التى عشتها هناك، حيث فوجئت بحالة وحركة ثقافية وفنيه لا تتوقف، ووجدتهم متابعين لكل أعمالى أنا وزملائى من الفنانين، وما أدهشنى تلك القدرة على المقاومة والحياة، ومسئولو المهرجان شكرونى وساندونى، مؤكدين أن غيرتنا على القضية الفلسطينية لن تكون أكثر منهم، وبالفعل أصدروا بيانا ونشروه ببعض الجرائد والمطبوعات الفلسطينية، ويكفى أن الكثير من الرسائل وصلتنى من هناك تؤكد لى أن زيارتى كانت شيئا مهما بالنسبة لهم، وأننى بالفعل نجحت فى رسم البهجة، ولن أنسى أحد المعجبين الذى بكى أمامى مؤكداً أنه يتمنى أن يرى فناناً عربياً كل يوم.. فى تلك اللحظة شعرت أن هناك معنى لمهمتى.
وتتساءل هند لماذا يصر البعض على أنهم يفهمون أكثر من أصحاب القضية الذين يطالبوننا بأن نذهب إليهم ونحن نتمنع، أليس هذا شيئا موجعا؟
وماذا عن الجانب الآخر فى حياة الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة؟
- ابتسمت «هند» فى تلك الرحلة اكتشفت الجانب الآخر من حياتهم وكيف أنهم شعب يحب الحياة، ولا يتوقف عن إلقاء النكت ولكن يملكون طريقة خاصة فى السخرية والهزار بمعنى أنه هزار شديد العمق وكثيراً ما يحمل المرارة، وأيضاً فاجأتنى نسبة الحضور ومتابعة أنشطة المهرجان، وأعتقد أنه كلما زاد عدد الفنانين العرب سيزداد الحضور أكثر وأكثر وهذا مهم لبقاء حياة فلسطينية فى فلسطين، والمهرجان لديه ثقل ويحضره الكثير من الشخصيات الهامة، وفوجئت أن الفنانة الإنجليزية الأصل والتى تعيش فى باريس «جين بريكن» تذهب إلى هناك باستمرار، وقامت بعمل فيلم تسجيلى عن مهرجان القصبة، وصادفت المخرج «نجيد أحمد» من جنوب أفريقيا يحدثنى عن تميز وجمال الحياة فى تلك الأراضى التى تقاوم وأنه لن يتردد يوما فى القدوم لمساندتهم، إضافة إلى العديد من الفنانين الأوروبيين ومدير مهرجان كان، كلهم جاءوا للمساندة والدعم وتضحك بمرارة ونحن عندما نذهب «تقوم الدنيا»، وتضيف متسائلة من أولى بدعمهم نحن أم الأوروبيون.
وعما إذا كانت زيارتها الأخيرة إلى الأراضى الفلسطينية ستشجعها على تقديم عمل سينمائى أو تليفزيونى.. أو على الأقل تجعلها تعيد النظر فى اختياراتها الفنية؟
- بالفعل بعد زيارتى شعرت أن هناك علاقة مختلفة صارت تحكمنى بمهنتى التى أحترمها وأحبها، وبالفعل هناك سمعت قصصا درامية شديدة الغنى، حيث لا يوجد بيت فلسطينى ليس به شهيد أو معتقل، ما استفزنى أكثر قصص المعتقلات الفلسطينيات، ولكنى فى الوقت نفسه أخشى المجازفة بتقديم عمل درامى عن القضية الفلسطينية دون وجود دعم مادى كبير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة