أمقت ما تصنعه الصحف الحكومية من أصنام تطلق عليها صفة "الرموز الوطنية"، ولكننى أمقت وبنفس القدر حملات الاغتيال المعنوى التى ترمى إلى إسقاط كل من يحاول العمل بالسياسة فى مواجهة الكيان الهلامى المسمى بـ"الحزن الوطنى". وقد انطلقت سهام بطانة السوء منذ بضع سنوات لتعمل وفق آلية منظمة تبدأ أولاً بتصنيف رجالات المعارضة، فإن منهم من علا صوته وقويت حجته، ومنهم من علا صوته ووهنت حجته، ومنهم من وهن صوته وقويت حجته، وأخيراً من وهن صوته ووهنت حجته. والأمر لا يخرج عن تلكم الأصناف الأربعة.
فأما الصنف الأول فهو الأخطر على النظام - من وجهة نظر بطانة السوء - وهو الأحق بالطعن فى كل موضع، خاصة ما يثير غضب العامة فى الشارع المصرى، فهو عميل أو كافر، فالطعن فى ولائه أو دينه يكون أنجع وأقصر السبل إلى تلويث حجته رغم علو صوته، الذى لم يعد يحمل للجماهير إلا خيانة أو كفراً!. وأما الصنف الثانى فقد علا صوته ووهنت حجته، أولئك هم مثيرو اللغط والفوضى ممن يصطنعون المعارك الإعلامية ويجذبون انتباه المارة بشارع الوطن إلى أمور تافهة مثل تنابذهم وتراشقهم بما يفرز مزيداً من جرح الرجال ويصرف الناس عنهم. وهم فى ذلك بقصد وبغير قصد يقدمون خدمة جليلة لأى نظام حكم مترهّل ينذر أى شىء فداءً لبقائه يوماً جديداً فى حكمه المديد السقيم، غير آسف على ماضٍ وغير ناظر أى منقلب تنقلب إليه البلاد. أما من وهن صوته وقويت حجته فأولئك تأمن البطانة شرهم ما قبعوا فى معاملهم وقاعات محاضراتهم، وما لبثوا بعين النظام ورهن حصاره المضروب عليهم وعلى أية قناة يعلو بها صوتهم. وأخيراً فقد كفى الصنف الرابع بطانة السوء مؤونة دفعه عنهم إذ هم لا ينطقون إلا فحيحاً ولا يكادون يفقهون قولاً، فقد نفّروا الناس عامتهم وخاصتهم واعتلوا بعض المنابر ليضيقوا على الناس ما رحبت به الدنيا ويحرّموا طيبات ما أحل الله لهم.
خلاصة القول، إن ما ترجوه الأمم فى خيرة ساستهم من خصال صار هدفاً وحيداً لآلة القهر العنيدة التى هى آخر ما تبقى من نظام هرم. تلكم الآلة التى تستمد طاقتها من جهل الشعوب وشيوع الخرافات وغياب العقلية الناقدة والبصيرة النافذة. فهل من فواق لأمة أنارت الدنيا بعلومها يوم ساد الجهل والتخلف سائر الأمم؟ وهل من حيلة وذكاء يرفع عنها إصرها والأغلال التى صفّدت بها عدة قرون؟
إنما الحق حق فى ذاته لا لقول الناس فيه، وإنما يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، فلا يجرمنك شنآن قوم على ألا تعدل، ولا تحقرن دعوة حق إن نطق بها من تحسبه فاسقاً، وإن كانت به ضلالة. ولا تظنن نفسك بمفازة من رجم الراجمين وطعن الطاعنين إن أنت برزت لحكم أو رئاسة.
مدحت أنور نافع يكتب: صنوف الرجال وخسة الاغتيال
الخميس، 29 أكتوبر 2009 07:16 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة