إن التقدم الحضارى يتمثل أساسًا ليس فى إيجاد ما ليس موجودًا، وإنما فى الاستفادة من الموجود عن طريق التصنيع والتطوير والتوجيه والتركيز… وإن مصر تقدم ألف دليل على صحة ما أقول، فهناك دول محدودة الثروات والإمكانات مثل اليابان وسنغافورة واليهود فى فلسطين ألف آخر من الأدلة على ذلك. إذن نحن فى حاجة إلى أن نكفّ وقبل كل شىء عند التحدث عن الإمكانات الهائلة التى لا نعرف كيف نستفيد منها، ونتّجه عوضًا عن ذلك إلى الحديث عن كيفية الاستفادة من تلك الإمكانات فى خدمة وجودنا وقضايانا وحل مشكلاتنا، وإذا لم نفعل ذلك نستشعر بالمزيد من خيبة الأمل والمزيد من مرارة الذل والانكسار- فالوعى المشترك والحلم القومى ليسا متاهات ولا هما اصطلاحات رومانسية عاطفية خالية من المضمون العملى.
وأرى أن أول واجب أمام المفكرين المصريين والكوادر الحزبية الفاعلة فى أحزابهم غير الفاعلة أن يتأملوا الحقائق ومراحل التطور التى مر بها ويمر بها العالم من حولنا اليوم -وأن يتحاوروا وأن تتفاعل الآراء حول وجهات النظر -وأن تتسع دائرة الحوار لتشمل جماهير عريضة من ذوى الاهتمام بالهم العام -حتى نصل إلى فهم موحد أو متقارب على الأقل فى العديد من القضايا المشتركة - وهذا الفهم المشترك يتم تفعيله إلى أن يصبح ركيزة للتفكير فى حل كثير من المشاكل -من خلال هذه الأرضية المشتركة التى ننظر من خلالها بشكل مختلف عن المنظور السائد حاليا، وهو الانغماس فى القضايا الخاصة سنتمكن من الوصول إلى بدائل للحلول أكثر تفاؤلا -ويصبح من الممكن أن يتشكل حلمنا القومى أو مشروع تاريخى لتغيير هذا المناخ السائد بفضل جهود متكاملة وليست متناحرة -يساند بعضها بعضا -إنها نظرية تغيير الواقع العنيف الذى نعيشه.
ويكون ذلك من خلال ترابط كل أحزاب المعارضة وتتبادل التأثير الإيجابى القائم على التطور والتحور والنهوض -ومن خلال إستراتيجية بعيدة المدى نابعة من واقعنا الذى نعيشه -وترجمتها إلى حلم يجمع أكبر عدد من الشعب ليلتف حوله ويتحمس له ويتبناه القاصى والدانى من جميع المستويات، وهذا هو العمود الفقرى الذى سيصلب عودنا وينتشلنا من هوة التردى التى وصلنا إليها -إنها القفزة الاستثنائية -والهدف من حديثى هنا هو مايدور فى الكواليس وكثرة اللغط عن الرشاوى الانتخابية ومغازلة أحزاب المعارضة بتوزيع مقاعد الإخوان المسلمين فى مجلس الشعب عليهم بالمحاصصة، إذا غضوا الطرف عن التشكيك فى نزاهة الانتخابات القادمة -وليس من مصلحة الحزب الوطنى ولا أحزاب المعارضة فعل ذلك -فسيخسر الاثنان معا -حب الجماهير والالتفاف حولهم -أن سبب تطور أمريكا وروسيا عسكريا واقتصاديا هو السباق بين ندين يدرك كلاهما قوة الآخر.
ولذلك حدث استمرارية للسباق بينهم أدت إلى هذا التطور الخارق والقدرة الفائقة وربحت بلدانهم من وراء هذا السباق.
ولذلك من مصلحة البلد أن يكون هناك حزب قوى يدفع الحزب الحاكم على التغيير والتطوير ويكون له بعبع جاهز لتسلم الدفة إن عجز عن القيام بمهامه كما يجب - أم لو ركنت الأحزاب وضعفت وهزلت فسينام الأسد نومة المطمئن لضعف الفريسة التى لو أطلقها حرة فلن تهرب لأنها مكبلة فى رعبها - وجبنها سيمنعها وستأبى عليها نفسها حتى المحاولة فى النجاة من أن تقدم نفسها لقمه سائغة -ومن سيمنحك اليوم مقاعد الإخوان غدا سيمنح تلك المقاعد للإخوان لو توافقت مصالحة مع مصالح الإخوان. فلا ترضى لأن تكون اليد السفلى التى يرمى لها بالطعام، ولكن كن شريكا ومشاركا فعالا وبناء حتى ولو بقدر قليل.
ومع أننى أرى صعوبة الواقع الحالى فى مصر الذى أظنه لن يسمح بمثل هذا التفاعل والتحاور والتماسك والتلاحم بين أحزاب المعارضة، وربما حتى ولا الأحزاب نفسها -وربما تلعب الصحف القومية دورا فى هذه المسألة وبعض الصحف المستقلة التى تمول بأموال الإقطاعيين الجدد فى تعكير وتكدير تلك العلاقة، وتوئدها قبل أن تكبر وستحصرها فى التفاصيل الضيقة والمصالح الخاصة، والمعارك الوهمية اليومية التى تطل بها علينا -وتطل علينا أيضا بحوار بديل تدور أدواته بين تبادل الاتهامات والتراشق والسباب وطلقات الرصاص المطاط التى تلغم بها مقالاتها وعنواين تلك الصحف. إننى أتمنى أن تبدأ الأحزاب فى تفعيل هذا الاتحاد وتطرح رؤية موحدة وأن توجه خطابها إلى كل الطوائف والاتجاهات والأعمار.
وأنا على يقين لو فعلت ستبدد كثير من الأوهام والمتناقضات وسنلحق بحركة التطور الحضارى العالمى، وسيكون لنا مكان يليق باسم مصر بين الأمم، وأن بديل ذلك سيكون مزيدا من التخلف والتبعية والفقر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة