يستيقظ المصريون كل يوم على حادثة جديدة أو بالأحرى مجموعة من الحوادث والكوارث، وفعلا يكون هذا طبيعيا ويحدث أحيانا فى مناطق كثيرة ومتفرقة من العالم، خاصة العوالم النامية والمتآكلة منها.
فالفاجعة ليست فقط فى الحوادث أو حتى الكوارث، ولكن التعامل البارد والمتعايش معها، والعجز الكامل عن التعلم من بعض الأزمات والكوارث.
فمن البديهى أن يكون هنالك تراكم خبرات من الدروس المستفادة التى تؤسس لوعى فى تجنب تلك الأزمات والكوارث المتكررة وبعينها وكيفية الوقاية منها، أو على الأقل التقليل من الخسائر والأضرار الناجمة عنها فى هذا الإطار، وفى هذا الفكر تكاد تغيب استراتيجيات الوقاية من الأزمات والكوارث، وكذلك برامج التدريب على مواجهتها!!
وتنشر تلك الأخبار فى وسائل الإعلام المصرية، وتصبح حديث الساعة ويضع عليها (فوكس)، وهذا بالطبع حسب درجة إثارتها وغرابتها وكمية بهارتها وخصوصا "الحريفة" منها.
ويتكلم عنها كل الناس بشكل تحليلى سواء عن: هواية أو احتراف، عن علم أو جهل، عن مسئولية أم حشو. وتخرب أدمغتنا من تكرارها فى كل وسائل الإعلام وبنفس الخطى والخطوات واللمح والإشارات إلا بعض الإضافات المظهرية أو الإعلانية أو البرجماتية للخبر، وهو فى النهاية مجرد خبر (للت والعجن) والحكومة التى تجيد الكلام المنمق فى الإعلام والذى لا يصدقه حتى المتحدث الحكومى والوزارى نفسه. وفى نهاية الأمر يموت الحدث والحادثة ويذهب الجميع فى خبر كان. وتشتعل حادثة أخرى فى مكان آخر وهكذا دواليك ومن حادثة لكارثة.... ابتسم أنت تعيش الكارثة على الهواء مباشرة!
فمنذ سنين مرت ونحن نعيش ثقافة الحوادث والكوارث إلى أن أصبحنا نسمع عن أساطير فى الجرائم والمجرمين والكوارث الطبيعية والصناعية واقتادونا إلى مصير محتوم: أن ذلك كله طبيعى ( لبلد الثمانيين مليون نسمة) وتعيش كل التغيرات العالمية، ويجب على المصريين أن يحمدوا ربهم أن وقاهم شر ما يصيب غيرهم من كوارث طبيعية مدمرة. لقد ذاقت مصر بعضاً منها، لكنه قليل جداً إذا ما قيس بما يحدث فى مواقع أخرى من العالم. ولكن وبالرغم من عولمة الكوارث فالمصريون يعرفون نوعاً مختلفاً ومتميز من الكوارث، يهبط عليهم تماماً مثل غضب الطبيعة، فلا يستطيعون لها رداً ولا دفعا. لكنها كوارث صنعتها يد الفساد والمفسدين.
فكما تؤدى الحوادث إلى متوالية من الكوارث على مستوى الفرد والمجتمع والدولة يؤدى تجاهلها والمداراة عليها إلى القضاء على الفرد والمجتمع وأيضا الدولة، لو تأمنا موقف الحكومة والإعلام الحكومى فى التعليق على كل حادثة وحتى كارثة الكوارث من مقدمات ونهايات متطابقة ومخادعة وخالية من أى احترام لهذا الشعب المبتلى بقيادات أقل ما يقال عنهم أنهم مجموعة من المنتفعين مصاصى دماء الغلابة المطحونين.
ألم يحن للمصريين أن يعيشوا أيضا ثقافة الردع والعقاب ثقافة هيبة الدولة والقانون، لتجنب ومعالجة الكوارث والحوادث مثلنا فى ذلك أيضا مثل بقية الدول أو حتى الدويلات: من تحسين خطط إدارة الأزمات والكوارث، وترشيد قرارات الأجهزة المعنية فى الحكومة والقطاع الخاص، وذلك بترجمة النظريات العلمية إلى الواقع وسد الفجوات الموجودة بينها، الكشف بكل شفافية ووضوح عن العديد من أوجه القصور والأسباب التى تؤدى إلى وقوع الكوارث، معاقبة المخطئ بأقصى أنواع العقوبات وبالسرعة التى تحقق الغرض منها ألا وهو الحد من هذه الكوارث.
فالحوادث تنشر فى القنوات الرسمية والإخبارية لكل قنوات العالم ولا ينالنا إلا الضحك والسخرية من أوضاعنا وبلادنا ووجودنا وعقولنا ويقف الشعب مع الحكومة فى خندق واحد، لأنه ارتضى أن تمثله حكومة بكل هذه الأخطاء الجسيمة ولا يفعل شيئا غير الكلام والكلام والكلام......... (يأمة ضحكت من جهلها الأمم).
والمضحك من شر البلية أن هذه الكوارث تتزامن مع مؤتمرات الحزب الوطنى الحاكم (حاكم لمن؟!!!) من المؤكد أنه حاكم لأعضائه الذين يضحون بالغالى والثمين فى تلقين هذه البلاد دروس فى الفوضى والعشوائية والمحسوبية.
ومنهجة ومنطقة للعمل العام والخاص فى كيفية إضاعة هيبة الدولة "دولة العدل والعدالة الاجتماعية" وإقامة دولة رجال الاعمال المستغلة والامبالية بالشعب الفقير المعدم المطحون دولة اللى" تغلب به العب به".
إن جحيم الحوادث والكوارث يلاحق مصر، ويبدو أنها لن تتوقف عبر المطالبة (باستقالة غفير هنا أو وزير هناك)، لابد أن تتحول سياسات الحكومة والدولة لسياسات فعالة ومجدية وتتحول خدماتها إلى "مشروع وقاية وعلاج"، وتخرج من هذا الهودج التى تختبئ فيه بعد كل كارثة ولا نسمع إلا أبواقها المتفزلكة المتشدقة بكلمات جوفاء لا تعبر إلا عن أناس يعيشون فى دولة (كله تمام واللى مش عاجبه يخبط دماغه فى أى فضائية).
ولن يمر يوما إلا وخبر كبير يدوى ثم ينجلى أو حتى خبر صغير يمر على استحياء يعلن عن حادثة، بل كارثة وعلى الهواء مباشرة!.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة