"ياه .. أخيرا فيه وزراء بيستقيلوا".. "معقولة دى أول مرة وزير يعملها ده طلع بجد إنسان شجاع".. قبل أن يندفع البعض بحماسة واندهاش بهذه الكلمات هناك سؤال هام جدا يطرح نفسه .. هل الوزير منصور فعلا مثلما صرح قدم استقالته لإحساسه بالمسئولية تجاه الحادث المروع فى العياط؟ أم أقيل "بشياكة" حفظا لماء الوجه وحتى لا تكون الحكومة والرئيس مبارك سببا فى جرح غائر قد يلاحقه ما بقى كلما ذكر اسمه؟!
أشعر دائما وأنا أشاهد كثيرا من الكوارث والأحداث التى ابتلينا بها فى مصر، أن الرئيس مبارك ليس من الحكام الانفعاليين الذين يصدرون قرارات سريعة وعنيفة تجاه أى أحداث، ولكنه من الأشخاص الذين يجيدون التعامل مع الأمور بروية وهدوء ورصانة، لذا لا أتوقع كلما حدثت فجيعة بأن يسارع الرئيس باتخاذ قرار فورى.
وما يجعلنى على يقين من ذلك هو أن عهد الرئيس لم يشهد إقالات لوزراء بسبب كوارث أو حوادث، سوى ما جرى مع وزير الداخلية حسن الألفى فى التسعينيات على خلفية أحداث الإرهاب فى الأقصر فى نوفمبر 1997، فقد شاهدنا جميعا الرئيس يخرج عن هدوئه المعهود أثناء زيارته للمدينة بعد الحادث ويصب جام غضبه على الوزير ويصفه أمام وسائل الإعلام المحلية والعالمية بأنه أسوأ وزير داخلية تولى المنصب، وربما جاء هذا الانفعال والغضب لأن الجريمة التى قتل فيه ثمانية ألمان كانت بمثابة فضيحة لبشاعة ما حدث وتناقلته وسائل الإعلام بالصوت والصورة.
فهذه الواقعة لم نرها مرة ثانية رغم كل الكوارث التى تسبب فيها كثير من الوزراء فى مقدمتهم الوزير فاروق حسنى، الذى اعتبره الرأى العام المسئول الأول عن حادث محرقة المثقفين ببنى سويف، مرورا بوزير الداخلية حبيب العادلى مع توالى أحداث الإرهاب من تفجيرات الأزهر إلى شرم الشيخ ودهب إلى تفجيرات الحسين الأخيرة، ثم وزير الإسكان أحمد المغربى بعد فضيحة مياه الشرب المخلوطة بمياه المجارى وما سببته من أمراض للفقراء والمطحونين، ثم وزير التعليم يسرى الجمل الذى توقع الجميع إقالته بعد المهزلة التى حدثت أثناء تسريب امتحانات الثانوية العامة لبعض أبناء الضباط فى المنيا.
ولكن أعتقد أنه فى هذه الكارثة بالذات كرر الرئيس ما حدث مع وزير الداخلية السابق حسن الألفى، وأنه هو الذى أقال وزير النقل محمد لطفى منصور، ولكن "بشياكة" معهودة من النظام تجاه وزير بدرجة رجل أعمال كبير له علاقات وثيقة ووطيدة بدوائر السلطة، بخلاف ارتباطه بمجموعة لجنة السياسات بالوطنى.
الرأى العام كان محتقنا بسبب حادث العياط، ودماء الضحايا لم تجف بعد خاصة مع توالى مذابح السكة الحديد خلال الفترة الماضية، وربما لم تكن هناك اختيارات أمام الرئيس للتهدئة سوى إقالة الوزير منصور، لكن بقيت طريقة الإقالة هى كلمة السر التى يضعها الرئيس دائما، والتى غالبا لا تخرج عن اتصال هاتفى من الرئيس للوزير يطالبه بالاستقالة الفورية مع حفظ كافة حقوقه المعنوية والنفسية أمام المجتمع والناس بأنه قدم استقالته لإحساسه العظيم بالمسئولية.
ما يدفعنى لقول ما سبق أن الوزير ومنذ أمس يطلق تصريحاته النارية عن محاسبته للمقصرين والمهملين داخل السكة الحديد، ويتعهد بالوصول إلى الأسباب الحقيقية للحادث، وكلها تصريحات لم نشتم منها أى إرهاصات عن تلك الاستقالة المفاجئة وأسبابها التى أعلنت.
يبقى أن نؤكد جميعا على حقيقة واحدة، وهى أن الإقالة والاستقالة وكرسى الوزارة هى جميعا أسرار خاصة بالقيادة السياسية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة