كلما وقع حادث مأسوى على إحدى الطرق أو على قضبان السكك الحديدية، يخرج المسئولون بتبرير واحد وهو اتهام العنصر البشرى، ففى كارثة اصطدام القطارين أمام العياط مساء السبت، قالوا إن عامل التحويلة ترك مكان عمله قبل الموعد المحدد بربع ساعة ليلحق بقطار يقله إلى بلده قبل وصول زميله فى العمل، وترك التحويلة خالية.. ولسخرية القدر لقى مصرعه فى الحادث، وعثر على جثته بين الجثث فى مشرحة زينهم، وصرحت النيابة بدفنه.. وهكذا مات الجانى كما قيل أمس.
وفى تبرير آخر قيل إن "دابة" عبرت فجأة فوق القضبان فصدمها أحد القطارين، وتوقف ونزل السائق وظل واقفا، لماذا لا نعلم، حتى جاء القطار الثانى فحصلت الحادثة الرهيبة على نفس القضبان بينما كان السائق يتفرج!
هكذا بمنتهى البساطة أصبح لدينا متهمون من السكك الحديدية، الأول مات، والثانى تحفظت عليه النيابة لأنه توقف فجأة رغم وجود تعليمات لسائقى القطارات بعدم التوقف.. ورغم أننى لست من هواة التشكيك فى البيانات الرسمية ما لم يكن لدى دليل ينفى صحتها، لكن فى مثل هذه الواقعة يبدو الكلام منافياً للمنطق، وغير مقبول أو معقول.. وليس أكثر من مجرد البحث عن طوق نجاة لكبار المسئولين بإلقاء المسئولية على الصغار كالعادة.
لن أتحدث عن المسئولية السياسية فى مثل هذه الكوارث، فهذا الكلام رفاهية لا يجوز لنا التمتع بها على الإطلاق، لأن المسئولين لا يخطئون، لكن "اللى اسمه المواطن الخطأ مغطية من راسه لساسه"!
المشكلة الحقيقية فى هذا البلد أنه يتكون من طبقتين فقط، مسئولون ومن معهم، وضحايا ومن معهم، لكن لا يوجد مواطنون على الإطلاق، لأن كلمة المواطنة رغم وجودها فى الدستور تظل كلمة ثقيلة على قلب المسئولين فى هذا البلد. فالمواطنة تعنى المساواة فى الحقوق والواجبات، وحنى نقول عن أى ناس أنهم مواطنون يجب أن يتمتعوا بكافة الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية وفقاً للإعلانات والمواثيق الدولية والدستور المصرى الذى لا ينفذ.
لكن لأن معايير المواطنة غائبة فلم يعد فى مصر مواطنون، وإنما ضحايا فقط، يقفون فى الطوابير فى انتظار القضاء والقدر وغلطة من مواطن آخر صديق تزهق أرواح العشرات والمئات من طابور الرعايا أو الضحايا المصريين.
وحتى يستعيد المصريون كلمة "مواطنون"، أو يتمتعون بها للمرة الأولى فى حياتهم، سنظل نحصى عدد من تنتهى حياتهم بشكل مأسوى فى حوادث القطارات والسيارات والطائرات والسفن والحرائق، وانهيار العمارات وطوابير العيش، لأنهم ولا مؤاخذة مجرد ضحايا وليسوا مواطنين!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة