قال لنا، وما أجمل ما قال، ونعود إليه الأب الرائع متى المسكين.. قال "الله لا يمكن أن يتمجد بسلطان قيصر لأن مجد السمويات شىء ومجد الأرضيات آخر" (1 كو 15: 40)، وكذلك الكنيسة، والتجربة فى الإنجيل واضحة عندما تحمس الشعب ليدخل المسيح فى تجربة السلطان الزمنى تركهم ومضى وحده "ولما أرادوا أن يأخذوه ويجعلوه ملكاً انصرف... وحده" وعندما تباحثوا معه أوضح لهم أنه يرفض مجد الناس "مجداً من الناس لست أقبل"... ويضيف الأب الحكيم "هذا هو رب الكنيسة ورأسها وهو يخط لها الطريق الذى تسلكه، فإن ارتاحت هى إلى مجد الناس فارقها مجد الله بالضرورة، وإن هى سعت أن تكون صاحبة سلطان واقتدار بغير محبة وقعت فى الأسر والتيه، وإن هربت من مسيحيتها هجرتها الروح..".
وفى زمن الفكر المسيحى الضنين بالتأمل العقلانى الموضوعى يطالعنا كاهن شهير يُعد أحد رموز الألفية الثالثة للكنيسة المصرية بفكر يدعى فيه الدفاع عن المسيحية، وعبر حوار تليفزيونى ممتد يقول "إن الكاهن من حقه أن يمارس السياسة كمواطن مصرى.. علينا أن ننسى فكر الخنوع وحكاية من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر.." وما أضافه رجل الدين المناضل فى هذا الصدد لا أحب الاسترسال فى عرضه لأنه يعبر عن غياب مفاهيم هى الأولى بالاهتمام لكى يتبناه الراعى الصالح والكنيسة الراعية، والدور الروحى الذى بتنا نعانى افتقاده..
وبغرابة شديدة يقول الكاهن فى موقع آخر أن الدستور يمنحنى حق ممارسة السياسة، وإذا لم يكن من حقى ذلك فليعد الوزراء ورئيس مجلس الشعب وغيرهم إلى بيوتهم لأنهم يمارسون العمل السياسى فى غير تخصصهم، ويضيف ساخراً هل يمكن أن يكون وزير تربية وتعليم أسبق طبيب أطفال، ووزير تعليم أسبق أيضاُ أستاذ قانون؟.. أليس رجل الدين هو الأولى بممارسة العمل السياسى... هكذا يتحدث رجل دين يخلط كل الأوراق ببعضها.. يجهل أن المناصب القيادية فى دول العالم المتقدم بات يتم اختيارها بصرف النظر عن علاقة المؤهل بالمنصب.. حتى فى مناصب تولى وزارات الدفاع والأمن يتم اختيار البعض من خارج تلك المؤسسات العسكرية أحياناً، ووزارة الصحة لا يعين لها وزير طبيب، ويظل الحاكم الأهم فى الأمر كفاءة الإدارة والقيادة وتوفر الأبعاد الفكرية المهارية فى الشخصية.. ثم القول بأولوية الممارسة السياسية لرجل الدين يُعد مغالطة بديهية لسبب بسيط أن من يمارس العمل الدينى والروحى يتعامل مع ثوابت دينية وعقائدية، بينما العمل السياسى هو أمر يتعلق بمتغيرات وأمور دنيوية لا تخلو من صراعات واضطرابات ومكاسب وخسائر وصفقات وحسابات ومصالح وتنازلات وتربيطات ومبايعات... إلخ، مما يمس بروحانية وطهر وعفاف الدين ورسالته السامية التى لا يجب أن نهبط بها إلى منازلات ومعتركات السياسة..
وأذكر كاهننا قائد المظاهرات والإضرابات وكاره الفنون بحقيقة أن كنيستنا العتيدة لاتستمد قوتها من السلطان الأرضى لأن هذا يخالف دور واختصاص الكنيسة ويخصم من دورها الروحى.. وأن افتعال مقاومة الرئاسات من جانب رجال الدين يُعد مخالفة لآيات الكتاب المقدس التى تكلفهم بالصلاة والدعاء للقيادات أن يوفقها الله فى عملها لأن فى ذلك قدوة لأبناء الكنيسة ألا يستهتروا بالسلطان الدنيوى والزمنى فيتراجعوا عن أداء واجباتهم المجتمعية والوطنية..
ويا كهنة زمن العجائب واختراق القيم الإنسانية الطيبة نحتاج لمقاومتكم الشر والضعف الإنسانى على مذابح كنائسكم، وتحالفكم مع رجال دين شركاء الوطن ليمارسوا الدعوة للنهى عن المنكر والأمر بالمعروف من منابر مساجدهم.. الفتنة والبلاد للأسف باتت فى حالة احتقان، والناس فى بلادى صاروا يخافون بعض رجال الدين إذا قالوا من فوق منابر الدين انتقلوا بحالة الاحتقان إلى الاشتعال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة