عندما يصل إلى مسامعك عبارة "موقعة القاهرة"، تجدك تعود بالذاكرة تبحث فى عمق التاريخ المصرى عن موقعة حربية بهذا الاسم فلا تجد، فلما يبلغ بك الجهد مبلغه، تسأل عن هذه الموقعة، متى وأين كانت؟ فيأتيك الجواب، ألا تدرى؟! ألا تعرف؟! إنه اللقاء المصيرى المرتقب والصدام المنتظر بين فريقى كرة القدم المصرى والجزائرى يوم الرابع عشر من نوفمبر، والمؤهل إلى بطولة كأس العالم لكرة القدم بجنوب أفريقيا، هكذا أطلق الإعلام والنقاد والرياضيون هذا الشعار (موقعة القاهرة) على هذا السجال الرياضى بين الفريقين، وتعجب ولكن لا يجدى العجب!
ويزداد بك العجب عندما تستمع إلى هذه التصريحات من النقاد والرياضيين والإعلام والمشجعين لهذه اللعبة من كلا الجانبين المصرى والجزائرى، وهى تصريحات تشمل الويل والثبور وعظائم الأمور، حيث يتوعد أصاحب كل فريق الفريق الآخر بهزيمة منكرة وفجيعة مؤلمة، ذلك كله فى إطار خلفية من الأناشيد الحربية والأغانى الوطنية، فتجدك تعيش فى أجواء الحرب وتشعر بقدر تكريس البغض والكراهية بين الشعبين العربيين ذوى الأغلبية المسلمة، وكأن ساعة الحرب قد آن أوانها، وساعتها ندرك كيف نجح الغرب فى تعميق الهوة والفجوة بين أبناء الأمة الواحدة حتى فى توافه الأمور وسفسافها.
ويبلغ بك العجب مداه عندما تجد أن التعبيرات التى تستخدم فى الحرب إذا التقى فريقان فى موقعة حربية، هى تلك التى تستخدم فى ملاعب كرة القدم، فهذه خطة دفاعية وتلك خطة هجومية، وهذا خط الهجوم وذلك خط الدفاع وهذا رأس الحربة وذلك قلب الدفاع..
وهذه ركلة صاروخية وتلك قذيفة أرضية وذلك مدفعجى الفريق وهذا قناص الفريق، وبينما تسير المباراة فهذا مدرب يصيح فى لاعبيه وهذا مدرب لايستطيع أن يبتلع ريقه من شدة التوتر، وثالث قد امتقع لونه وآخر قد ارتفع ضغطه من شدة الغضب أو الخوف.. ومسئولون متحفزون يتأوهون لفقد فرصة ويضحكون لإحراز نقطة، والكل على أعصابه حتى تلفظ المباراة أنفاسها، فتجد لاعبا يبكى فرحا نتيجة لفوز فريقه وآخر يبكى كمدا لخسارة فريقه، وتجدك فى ملهاة أشبه بالمأساة.
لقد نجح الغرب فى أن نجعل الملهاة تملك علينا مشاعرنا وجهدنا ووقتنا وأموالنا، فما من طريق تسير فيه إلا سمعت حوارا حول المباراة وما من جلسة تجلس فيها إلا سمعت نقاشا حول المباراة، التى أصبحت حديث الكبار والصغار، النساء والرجال، الشيب والشباب..
ذلك فى الوقت الذى تنتهك فيه حرمة المسجد الأقصى من قبل الصهاينة المعتدين على مسمع ومرأى من الجميع، فيقتحمه المتطرفون ، وتجرى الحفائر أسفله بحثا عن الهيكل المزعوم، ليتهدم إذا ما تعرض لهزة أرضية صناعية كما تم تسريبه من معلومات من قبل اليهود، إنه نفس التوقيت الذى يأن فيه القدس الشريف من محاولات تهويده ومسخه وتغيير معالمه، بينما سكان القدس يتوجع بعضهم من محاولات التشريد والبعض الآخر من المنع من الصلاة فى المسجد الأقصى الشريف، وهنا لابد أن نقف وقفة، أما كان أولى أن يملك علينا تهويد القدس وانتهاك حرمة المسجد الأقصى مشاعرنا وجهدنا وتفكيرنا ووقتنا حتى يأتى اليوم الذى نحرره فيه من دنس اليهود.