"أصبح العالم اليوم قرية صغيرة" هذا ما يتطرق إلى آذاننا حينما نستمع إلى كلمة العولمة، ولكن ما يتماثل أمامى وأتخيله حينما أسمع هذه الكلمة هو "أصبح المنزل اليوم لوكاندة صغيرة" نعم لوكاندة صغيرة تضيق نفوس كل من بها بالآخر، تجد الأسرة التى تتكون على سبيل المثال من أب وأم وابن وابنة كل منهم يمتلك جهاز حاسوبه الخاص أى يمتلك عالمه الخاص، ولغة حواره عبارة عن مجموعة من الابتسامات الإلكترونية إذا استطاع أن يرسمها على لوحة ويتفاعل بها فى داخل محيط الأسرة لفعل، ويستخدم الفأرة فى إظهارها إلى كل من يتحدث معه فى المنزل حينما يريد أن يعبر عن انفعال ما، ليس هناك أى لغة حوار بين أى من أفراد الأسرة، هذه الوضعية لا تتعلق بالأسر التى تفقد الحميمية أو الاحتواء والحوار بين الآباء والأبناء، لكن هذا يوجد فى محيط الكثير من الأسر رغم كل ما تتمتع به الأسرة من مميزات كأب متفهم ومتحضر وأم مثالية وابن متميز وابنة مبدعة، ولكن كل منهم يظهر ذلك فقط على الشبكة العنكبوتية، التى دخلت اليوم قائمة الإدمان.
ترى ما الذى اضطرنا إلى هذا العقار المعنوى، أهو إصرار كل منا على لغته رغم اختلافها مع الآخر وافتقادنا المرونة فى التعبير عما نريد؟، أم هو اعتيادنا على التعامل مع الآلة واكتفائنا على راحتنا الذاتية فى إعطائنا الأوامر الحاسوبية واستجابة الجهاز الإلكترونى لها فور إعطائها ونفاذ صبرنا حينما نتعامل مع البشر؟، أم هو تنوع ما يمكن المشاركة به بتلك الجهاز الصغير؟، أم هى حالة من انعدام العواطف والمشاعر التى تغزو مجتمعاتنا العربية التى لطالما أطلقنا عليها الشعوب العاطفية، فتحولنا إلى شعوب آلية من انعدام ردود الأفعال التى نحاول أن نبحث عنها فيمن يحيطون بنا ونجدها على هذه الشبكة العنكبويتة، أم هروباً من المسئولية العائلية تجاه الأهل والأقارب من زيارات أو واجب ملقى على عواتقنا يجب القيام به من حين لآخر، ونهرب منه باتجاهنا لهذا العالم الافتراضى، فيما سبق كنت أسمع عن يوم لتجمع العائلة "وهو يوم فى الشهر أو الأسبوع يتجمع به كل الكبار والشباب والأطفال" كل منهم يجلس إلى أبناء جيله ويتبادل معه أطراف الحديث حول ما اشتركوا فيه من اهتمامات، وتعلوا أصوات الضحكات وتملأ الأجواء الحميمية العائلية فهو اليوم العائلى لشحن الطاقة النفسية، ولكن الآن قلما أسمع عنها فأين ذهبت هذه الحميمية الأسرية، والعاطفة التى تميزنا كشعوب عربية، أم أنها فعلا أصبحت لوكاندة صغيرة، لوكاندة العولمة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة