بين أبيات شعره موسيقى صاخبة وحنونة

سيد حجاب.. كأنه سحبة قوس فى أوتار كمان

الخميس، 22 أكتوبر 2009 01:53 م
سيد حجاب.. كأنه سحبة قوس فى أوتار كمان سيد حجاب
وائل السمرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن سمعته يقول الشعر فستجده يلهث به كأنه يتنفسه، وستتخيل أن الزفير الخارج من بين شفتيه فى كل مقطع هو روح الشعر التى تشع منه وتنتشر فى القاعة فينعم الجميع بالشعر الذى تحول إلى نسيم، والصوت الذى ملأ المكان والموسيقى التى تسربت إلى القلوب.

بين أبيات شعره موسيقى صاخبة وحنون، يصيح بك كأنه يوشوشك، يهمس كأنه يصرخ فى وجهك، عذوبته ثائرة، وثورته دافئة، وما أن يمسك إيقاعه المجلل الفياض حتى تشعر كأن يدا ناعمة مرت على وجهك المتعب المكفهر، فمسحت من عليه التعب والإرهاق والملل والوجوم، فى حبه صاف كالندى، وفى شوقه عاصف كالريح، وفى غضبه واضح كالنار، وفى عذوبته كنهر مختال رقراق، يقول:
«حبيبتى من ضفايرها طل القمر
وبين شفايفها ندى الورد بات
ضحكتها بتهز الشجر والحجر
وحنانها بيصحّى الحياة فى النبات»
تسمعه، تقرؤه، تحسه، تغنيه، تجد فى كل حالة حلاوة، وانسيابا وتدفقا وصدقا، هو ذاته قصيدة ألفتها مصر ونقحتها التجارب، ودونتها القلوب، وحفظها الضمير، تراه يأمر الكون كالعارفين، فتتخيل أن أوامره ستطاع بقوة الشعر وسلطانه وحب الوطن والهيام فيه، يقول:
ما تطلعيش يا شمس ع اللى يخونّا
وما تنطفيش يا نار قلوبنا وعيونّا
وما ترحميش اللى احنا على قلبه هنّا
واكوى بنارنا كل نقطة فى دمانا.

كان صيادا صغير يتعلم من البحر والشباك والأغانى، فصار بحرا لا تقوى على الإلمام به ولا توقع آخره، مولده بقرب الشواطئ فى قرية المطرية علمه أن الحياة مرسى، فيها نقف لنبحر ونبحر لنقف ودوام الحال من المحال، البحر علمه فأحسن تعليمه، تجده معطاء ووفيرا ومنعما وصادقا، يقول عن نفسه مجسدا دور الشاعر فى الحياة إنه: «أراجوز.. وشجيع.. والدنيا ميدان، فارس.. حارس.. واقف ددبان، وإذا بان للشر نيبان وزبان، باحمى الغلبانة والغلبان،..
فلسان.. كحيان.. أيوه أنا فلسان
إنما برضك.. راجل إنسان
باضرب بالألف لسان ولسان
وباكلها بعرقى.. ومش إحسان
راجل والرجولية لا عضلات
ولا ألابندة وسيما وحركات
الرجولية الحقيقية ثبات
قدام جبونية أى جبان
كالجبل العالى، لا يضره سيل، ولا تؤثر فيه رياح ولا تؤرقه النوائب، فقط ما يشغله هو الزمن، هو عدوه الأول والأبدى، تساءل ذات مرة: «يا ترى إحنا اللى بنعيش الزمن؟ ولا الزمن هو اللى بيعشنا؟ ولما لم يجد الرد قال:
ليه يا زمان مسبتناش أبريا
وواخدنا ليه فى طريق ممنوش رجوع
أأسى همومنا يفجر السخرية
وأصفى ضحكة تتوه فى بحر الدموع
الصفاء مراده والنقاء أمله وغير ذلك عدوه ونقيضة، وأقسى شىء على الشاعر أن ينظر فلا يرى، ويكلم فلا يسمع، ويهتدى فيضل.
لذلك يصرخ متألما حينما يرى الملامح باهتة والجوارح صامتة، والغيام على كل الوجوه:
الغش طرطش رش ع الوش بوية
ما درتش مين بلياتشو أو مين رزين
شاب الزمان وشقيت.. مش شكل أبويا
شاهت وشوشنا وتهنا بين شين وزين
ولسه ياما وياما حنشوف كمان.
دائما تجده صريحا كالنهر، تلقائيا كالعرق، واضحا كشجرة جميز عتيقة، تحت أفرعها نختبئ وبظلالها نستجير ومن ثمارها نطعم، يقول عنه نفسه «أنا شاعر على باب الله... والإنسانية» ومن الإنسان أخذ حجاب معظم أشعاره منفذا وصايا أستاذه الذى حول نظره إلى الاهتمام بالحياة ومن يعيشونها لا إلى أى شىء آخر، من صغره وهو يحب الشعر ويدونه حتى أنه تعلم علم العروض والقافية وهو ابن عشر سنوات، يظهر هذا فى تمكنه لموسيقى الكلمات وانسجامها وتراصها، أبياته كالبنيان المرصوص تشد بعضها بعضا، وهذا ما جعل الشاعر الكبير صلاح جاهين يحتضه ويحتفى به مبشرا الشاعر الكبير فؤاد قاعود وهو يقول:
«بقينا كتار يا فؤاد» وكان ديوانه الأول الذى نشر قبل نكسة بسنة تقريبا، لكن قبل هذا كان قد تخرج فى كلية الهندسة قسم تعدين ومناجم، لكنه هجر مناجم الهندسة ليبحر فى مناجم الشعر، كما ترك قديما الصيد والجنيات، لتصطاده القصيدة.
من عتمة الليل النهار راجع
ومهما طال الليل بييجى نهار
مهما يكون فيه عتمة ومواجع
العتمة سور ييجى النهار تنهار
وضهرنا ينجام
صيحة أطلقها سيد حجاب معاتبا ولائما، صارت هذه الصيحة تنهيدة، وصارت التنهيدة قصة، وصارت القصة حياة، وصارت الحياة شعرا، ولما صارت الحياة عبئا، وصار العبء لا يحتمل صرخ قائلا:
الموت ترف
وعيشة القرف ترف
ولما تصبح الحقيقة عار
والكدب ع النفوس شعار
بتصبح البيوت قبور بلا صبار
ويصبح السكوت ترف
ساعتها يبقى الموت طريقنا للشرف
هذا هو سيد حجاب.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة